بين «الشورى» وعلاوة الإصدار

إن المقترح الأخير لمجلس الشورى بإضافة مواد جديدة ذات علاقة بعلاوة الإصدار في نظام هيئة السوق المالية يعتبر تطورا متأخرا ومنقوصا، فالحديث عن علاوة الإصدار بدأ منذ بداية طرح الشركات الحكومية، وتحديدا عند طرح شركة الاتصالات السعودية عام 2003، ووصل الحديث أوجه عندما بدأت الشركات العائلية بالطرح، وعندها بدأ الحديث الفعلي عن المبالغة في تقييم علاوة الإصدار وكيفية تقييمها، ونتيجة لقصور الأنظمة في ذلك الوقت عن تشريع واضح لكيفية تقييم علاوة الإصدار، فقد كان الرأي العام هو الفيصل في التعاطي مع ذلك التحدي. لذلك فإننا لا بد أن نتذكر أن ذلك الغياب تزامن مع طفرة الطرح الأولي وأهداف الوصول إلى 300 شركة مدرجة في سوق الأسهم السعودية، وتلاحظ زيادة كبيرة في عدد الشركات المدرجة، وخلال الفترة من عام 2004 إلى اليوم ارتفع عدد الشركات المتداولة في السوق من 73 شركة إلى 146 شركة، بقيمة تجاوزت 80 مليار ريال، 50 في المائة من تلك الشركات أدرجت بعلاوات إصدار، كان الرأي العام يرى مبالغة كبيرة في أسعارها، خصوصا لشركات دار حولها الكثير من النقاش إما لمبالغة تلك الشركات في تقييم علاوات الإصدار وإما للطريقة التي تحولت بها تلك الشركات من مساهمة مغلقة إلى مساهمة عامة، والتحول الكبير الذي صاحب الزيادة الكبيرة في رساميلها قبل أشهر معدودة من الطرح العام. ولك أن تحسب مبالغ علاوات الإصدار التي جناها ملاك تلك الشركات، والمسؤولية هنا تقع في المقام الأول على الجهات المالية والمكاتب المحاسبية التي تكون قد ساعدت الملاك على تعظيم ثرواتهم من خلال الخلل في تقييم الشركة سوقياً.
لذلك فإن الحديث عن تعديل في أنظمة هيئة السوق المالية قد لا يضيف الكثير من الفائدة، من وجهة نظري، لأن هذه التعديلات لا تستطيع السيطرة على المبالغة في علاوات الإصدار أو أنها على الجانب الآخر قد تؤدي إلى عزوف الشركات العائلية تحديدا عن الطرح العام. معروف أن علاوة الإصدار هي ما يعتقد الملاك الأساسيون للشركات أنها أقل القليل مقابل جهدهم في تأسيس تلك الشركات، وكان الوضع في السابق مغريا جدا لملاك الشركات بطرح جزء بسيط من الشركة مع علاوة إصدار قد تتجاوز في مجملها رأسمال الشركة، وبذلك فهو تحرك لا يحمل مخاطر للملاك على مستوى الملكية ويحقق عائدا ماليا كبيرا قد يحتاجون إلى عشرات السنين من العمل في الشركة لتحقيقه. هل ستكون هذه التشريعات إذا ما تم تطبيقها بشكل حازم وواضح سببا في عزوف الشركات العائلية تحديدا عن طرح شركاتها؟
على الجانب الآخر، فإن المسؤولية الكبيرة في تضخيم علاوات الإصدار في السابق يأتي في المقام الأول بسبب رغبة الملاك، فيقومون بالتعاقد مع مستشارين ماليين يحققون لهم تلك الرغبة، ومع الأسف أن هناك مكاتب محاسبة ومستشارين ماليين يفتقدون الأمانة المهنية في تطبيق المعايير المحاسبية الصحيحة للتقييم، وكذلك فإنهم يفتقدون الرقابة المؤهلة في المقام الثاني من قبل القطاعات الحكومية ذات العلاقة. وهنا أعتقد أن محاولة حل إشكالية التضليل من قبل المكاتب المالية والمحاسبية قد لا تجدي نفعاً، والتجارب العالمية وما أفرزته الأزمة المالية العالمية من شبهات حول دور تلك المكاتب في الأزمة خير مثال.
الخلاصة أن ما أثار اهتمام مجلس الشورى اليوم تاريخ يمتد إلى سنوات كثيرة مضت، ولا أعتقد أن المقترح أو التعديل بمفرده سيحل الإشكالية، ويجب أن يتوافق معه عمل رقابي مستقل من الجهات التشريعية والتنظيمية، إضافة إلى عقوبات رادعة وكبيرة على من يثبت تحايله سواء من الشركات أو من الشركات الاستشارية، لأن الهدف الرئيس من إيجاد تنظيمات للسوق المالية هو ضمان العدالة والشفافية في الطروحات الأولية، وكذلك العدالة والشفافية في التداول العام للسوق، وهذان الأمران كانا من أسس تأسيس هيئة السوق المالية عام 2003، والمطالبات التي وردت في مقترح مجلس الشورى هي في صميم عمل الهيئة (نظرياً).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي