الاهتمام بالتربية.. إدراك المفاهيم

أدرك العرب منذ قديم الزمان أهمية تربية الطفل حتى وإن لم يدركوا مفاهيمها وأصولها فحرص القادر منهم على إرسال أطفاله الرضع إلى القرى والهجر في البادية لينشأوا في بيئة نقية على الفطرة السليمة ويتشربوا سماحة الأخلاق وليكونوا أطلق لساناً وأفصح بياناً وأصلب عوداً وأقرب لميادين الفروسية، وعندما أشرق الإسلام بنور الهدى أوجب على المسلمين حسن اختيار الزوجة الصالحة والاهتمام بتربية ورحمة الصغار، وحرم وأد البنات وألزم الآباء بحسن اختيار أسماء أبنائهم، كما اهتم الإسلام بتربية البنات ورعايتهن وأن من كانت له ثلاث منهن وأحسن تربيتهن وجبت له الجنة، وألزم الإسلام الآباء بتشجيع وأمر الأبناء بالصلاة لسبع وضربهم (بالحسنى) إذا لم يحرصوا على الصلاة وهم أبناء عشر، وأقبل المسلمون على تشجيع أبنائهم على قراءة القرآن وكانت المساجد وخاصة المسجد النبوي أشبه ما تكون بالمدرسة أو الجامعة يتعلم الناس فيها القرآن الكريم ويتدارسون أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، وكانت ترد إلى هذه المساجد الوفود المختلفة كما كان يرد إليها الغرباء والحكماء من كل مكان، وكان الناس يسمعون خطب يوم الجمعة من الأئمة ونصائح المرشدين والرجال الصالحين، وكانت فترة صدر الإسلام عبارة عن نهضة شاملة ضد ظلام الجاهلية، فاهتم الناس بالتربية الإسلامية وحسن الخلق والاقتداء بالصالحين والجهاد في سبيل الله وبدأت السرايا والغزوات تتحرك لنشر الإسلام في ربوع جزيرة العرب ثم جاءت الفتوحات واشترك فيها من اشترك رجالاً ونساءً شيباً وشباباً وكان الأبناء في خضم تلك الأحداث المهمة يسمعون ويرون ويشعرون بما يدور حولهم وخاصة في المدينة المنورة ثم مكة المكرمة وغيرها من المدن الإسلامية فيتأثرون بكل ذلك فأصبحوا أكثر اهتماماً بالصلاة وتلاوة القرآن واستقوا من كتاب الله ما يحثهم على بر الوالدين وحسن الخلق والفروسية والجهاد في سبيل الله حسبما تقتضيه الشريعة الإسلامية، ثم بعد ذلك بدأت الحلقات في المساجد لتعليم القرآن الكريم ثم جاء المعلمون وحولهم طلابهم يلتمسون تعلم القرآن والسنة النبوية وشيئاً من الخط ومبادئ الحساب في شكل مجموعات صغيرة (الكتاتيب) ثم بعد ذلك ظهرت المدارس، ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى اهتمام الدولة بالتعليم في المملكة والجهود التي بذلت لتعليم البنات وما واجه ذلك من صعوبات كبيرة تمثلت في عدم تقبل بعض الآباء لفكرة انضمام البنات إلى فصول الدراسة، ولكن الدولة أصرت على فتح مدارس للبنات وكان لها ذلك، كما تم إنشاء مدارس لتعليم الأيتام وخاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض وذاع صيت تلك المدارس الكبيرة التي جمعت بين التربية والرعاية والتعليم لمن فقدوا والديهم أو أحدهم وكان نظام تلك المدارس نظاماً داخلياً شاملاً للسكن والطعام والملابس والتربية والتعليم وكل ما يحتاج إليه الطالب وكان مديرو تلك المدارس ووكلاؤها وحتى المعلمون يتعاملون مع الطلبة وكأنهم أبناء لهم، فتخرج من تلك الدور التعليمية مجموعات كبيرة من الرجال الصالحين المتعلمين الذين أثروا وخدموا الدولة والمجتمع وتميزوا بالجد والاجتهاد وتسلحوا بالمعرفة والأمانة والانضباط، وكلي أمل أن تقوم وزارة التربية والتعليم بعمل بحث ودراسة للنظام الذي كانت تسير عليه تلكم المدارس والمناهج وصفات الهيئة الإدارية والمعلمون وكذلك صفات ونوعيات الطلبة الذين كانوا ينضمون لتلك المدارس لعلها تستفيد من ذلك لتحسين وتطوير وضع مدارس ودور الأيتام القائمة الآن في مدن المملكة، وفي الحلقة (195) نكمل ما تبقى ..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي