السعودية .. كتابٌ مفتوحٌ فلا تُجهدوا أنفسكم
ليس هناك أسهل من معرفة الوضع في المملكة العربية السعودية، ومعرفة مواقف المواطنين من مختلف القضايا، بل ومعرفة ما سيكون على المستوى العام، فالمملكة كتابٌ مفتوح، من السهل قراءته، فهي لم تعرف إرهاب سلطة ولا تكميم أفواه، ومجتمعها ليس لديه ما يخفيه، أو يخشى البوح به.
المملكة كتابٌ مفتوحٌ يستطيع أي إنسان قراءته، دون حاجة إلى رأي محلل أو أطروحات خبير يتحدث من أقصى الدنيا، فالمملكة ليست بلداً ديكتاتورياً يُحكم الناسُ فيه بقوة الحديد والنار، عبر قوى أمن متسلطة أو ميليشيات أو شبيحة أو بلطجية، بل هو بلد يعرف كل مواطن فيه مهما علا مقامه أن هناك حدوداً لا يمكن تجاوزها، تُحكم بشرع يخضع له الجميع.
في عالمنا العربي رأينا كيف انهارت أنظمة بوليسية، لا أحد فيها كان يجرؤ على الكلام، أو المطالبة بحق، وكنا إلى فترة قريبة نعتقد أن هذا السكون المسيطر على مجتمعات تلك الدول سيدوم طويلا بسبب القبضة الحديدية، ثم اكتشفنا أن تلك الأنظمة واهنة كبيت العنكبوت، رغم الشدة والعنف الذي تمارسه ضد مواطنيها.
الحالة السعودية حالة مختلفة، وإن كانت موجودة في محيط عربي طغى عليه الوضع الشاذ في التعاطي بين السلطة والمواطنين، ولهذا فمن الخلل الفادح قياس الحالة السعودية على دول عربية أخرى، حتى لو جمعتها صفة واحدة ''العالم العربي''.
الحالة السعودية لا تحتاج إلى خبير لا يعرف أبسط أبجديات الجغرافيا السعودية، أو أسماء ومناصب المسؤولين فيها ليتحدث عن العلاقة بين السلطة والشعب، أو يحلل العلاقة بين أركان الحكم، أو يعرض توقعاته لما سيكون، أو يتحدث عن مدى استقرار الوضع في المملكة، فهؤلاء المحللون ليسوا أدرى بالوضع الداخلي من مواطن بسيط، يُدرك حُسن مسار بلاده، ويعرف ما ستجري عليه الأمور، قياساً على وضع عايشه وعرفه عن قرب طوال عقود، من خلال التصاقه الشديد بأصحاب القرار، بل ومن خلال معرفة وثقة أكيدة بسلامة النهج وحسن التوجه الذي تسير عليه قيادته.
القنوات الفضائية التي تشرق وتغرب في تحليلها للوضع في المملكة، خاصة تلك التي عُرفت بالإرجاف، وباعتمادها على مجموعة لا تتغير من المحللين، ممن لديهم مواقف مسبقة من المملكة قيادة وشعبا، أصيبوا بنكسة كشفت مدى الزيف الذي يسوقونه على الناس، فما نقلته القنوات الفضائية والصحف من مشاعر حزن تجاه وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وما عرضته القنوات الفضائية من تلاحم نادر بين القيادة والمواطنين، سواء في المطار أو في المسجد أو في مقبرة العود أو في الديوان الملكي، بل ومشهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي تحامل على آلامه، وأراد أن يكون في وداع أخيه وولي عهده وشريكه في المسيرة، فحضر جميع مرحل وداع الفقيد، وكذلك بقية إخوة الفقيد الذين كانوا يُغالبون أحزانهم على فقده، كل هذه الصور الصادقة، تكشف للعالم أجمع أن ما يقال عن بلادنا يكذبه الواقع المعاش، وأن مسيرة الوطن محمية بأمر الله تعالى، ثم بالتفاف الشعب حول قيادته، وكانت الصورة التي لا تكذب هي الفيصل.
وفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز رغم ما أحدثته من ألم في النفوس وحزن عميق، إلا أنها أعطت العالم أجمع صورة حقيقية عن المملكة العربية السعودية وقيادتها وشعبها، صورة هي الأكثر صدقا وأوضح تعبيرا.
وفاة الأمير سلطان ـــ رحمه الله ـــ كانت سبب حزن عميق لكل محب لهذه البلاد وأهلها، كما كانت سبب حزن لكل كاره لها، فالكارهون يحزنهم رؤية هذا التعاضد والحب الكبير بين القيادة والشعب، ويحزنهم أن ما حاولوا تصويره طوال سنوات من وضع غير حقيقي، قضت عليه صورةٌ لا تكذب ولا تتجمل.