الأمير سلمان ومنهج القيادة بالقدوة
يستطيع القائد الإداري أن يصدر ما يشاء من تعاميم، بل ويفرض من القيود والعقوبات ما يراه صارماً، وينشئ أجهزة رقابة تتابع كل مخالف أو مقصر، ولكن هذا كله لا يمكن أن يصنع إدارة منتجة ومنضبطة، بقدر ما تصنعها القدوة الحسنة.
فالقائد الإداري إذا ما كان ملتزماً بعمله، مؤدياً مسؤولياته على أكمل وجه، فإنه يشيع بين موظفيه هذا الالتزام والانضباط، ويكسب ثقة مرؤوسيه، ويدفعهم للاقتداء به، فتأثير الفعل أقوى من تأثير القول مهما علت حدة القول.
إشكالية القيادة بالقدوة أنها تضع على القائد حملا كبيراً، والتزاماً مستمراً، قليلٌ من يتحمله، فهي توجب على القائد أن يكون ذا همة عالية، وعزيمة صادقة، وإرادة قوية تدفعه دائما ليكون في المقدمة، بالفعل قبل القول، وأن يكون الثبات على المنهج جزءا من هذه القيادة، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت شخصية القائد تحمل من الصفات السامية ما يدفعها للتضحية براحتها في سبيل المجموع.
سلمان بن عبد العزيز، أنموذج للإداري الناجح، الذي يعتمد أسلوب القيادة بالقدوة، فمن يعرفه على مدى سنوات طويلة، يدرك أنه خير مثال على الالتزام، فعلا وقولا، التزام بالفعل من خلال ما عُرف عنه من انضباط في العمل، وحرص على دقة المواعيد، سواء في توقيت حضوره للعمل أو انصرافه منه، أو في المناسبات التي يرعاها، أو من خلال علاقاته بالناس، سواء على المستوى العملي، أو على مستوى حضوره الاجتماعي، فحضوره الاجتماعي مضرب المثل في قربه من الناس ومبادراته تجاههم، بل وفي تلمسه الجوانب الإنسانية التي يغفل الكثيرون أهميتها.
أما الالتزام بالقول، فيتمثل في الحرص الشديد على البعد عن المبالغة، أو إعطاء الوعود، بل يرى أن المنجزات هي التي يجب أن تتحدث عن نفسها، وأن المبالغة في الوصف لها أثرٌ عكسي، إذا ما جاءت النتائج دون توقعات الناس، وهذا الصدق مع النفس ومع الناس يتضح في تصريحاته كافة، منذ توليه مسؤولياته العملية.
كل هذه الأمور تضاف إلى كفاءة إدارية عالية، يقدرها كل من عايش الأمير سلمان في عمل، وقدرته على الموازنة بين العمل الرسمي، والالتزام الاجتماعي، بالتواصل المستمر مع الناس، على مختلف مشاربهم واهتماماتهم، سواء أكان على رأس العمل، أو في إجازة، ومهما بعدت به المسافة.
الأمير سلمان كما أنه قدوة في الإدارة، فهو قدوة في العمل الإنساني، وهو صاحب مبادرات في هذا المجال، نتج عنها كثيرٌ من الجمعيات والمشروعات الخيرية.
هذا الالتزام لم يمنعه من أن يكون قارئا ممتازاً، ومتابعاً للأحداث، ومدافعاً عن قضايا الوطن وتاريخه، ومتواصلا مع الثقافة والإعلام ورجالها.
***
تصريحان الفارق بينهما 50 عاماً، لم يختلف فيهما المضمون ولا المنهج، التزام بالعمل والقول، وصدق مع النفس ومع الناس.
ففي 18/9/1382هـ، نشرت الصحف المحلية تصريحاً للأمير سلمان قال فيه:
''يختلف الناس في أفكارهم وبذلك تختلف أحاديثهم وتكثر أقاويلهم، بيد أننا عقدنا العزم على العمل في صمت، وسنترك هذه الأعمال تتحدث عن نفسها بنفسها، وعندئذ يتحدث الناس ويترجمون عن هذه الأحاسيس بما يشهدونه من إنتاج وعمل، وهذا أعتقد هو ما يهمهم''.
وفي 26/6/1432هـ نشرت الصحف تصريحاً للأمير سلمان جاء فيه:
''أنا ما أحب أعطي مواعيد، أو أخبار أكبر من الواقع، بل أريد الواقع يتحدث عن نفسه''.