نداء لتطوير مستوى التفكير

سألني والدي: ما الجديد لديكم؟.. فقلت: نعمل على تطوير بعض البرامج لتلائم حاجة السوق، فرد عليّ: هذا أكبر خطأ وهو أن تجعل حدود تفكيرك محصورة فقط في إطار ما يحتاج إليه السوق، ثم سألني: هل تعتقد أنه عندما تم إنتاج الكمبيوتر إنما كان ذلك لحاجة السوق أم أن الهاتف الجوال تم صناعته لحاجة السوق أم أن ''الآيباد'' أو غيرها من المنتجات الأخرى، بل وخدمات إنما وجدت اليوم نظرا لحاجة السوق، كلا بل تم ابتكارها وتسويقها وعرضها على الناس حتى أصبحت جزءا رئيسا من حياتهم، بل إن البعض يكاد لا يستطيع أن يستغني عنها، وكل ذلك لم يأتِ لحاجة السوق، بل لتميز الفكرة وإبداعها وابتكارها.
فكرت في كلامه لدقائق وشعرت بأن ما يقوله ليس صحيحا، فقط، بل كأنه يوقظني من غفلة وسبات ويوجهني إلى منهج عملي يجب أن يتم التأمل فيه باهتمام وعناية من أجل أن نعيد النظر ونبحث في مستوى تفكيرنا وسبل تطويره، وفعلا لو تأملنا للحظات كثيرا من الأشياء التي من حولنا لم تكن موجودة يوما ما، ولم توجد لأن السوق كان يحتاج إليها، بل وجدت لأن المبدعين والمبتكرين قدموها لنا فقمنا باستخدامها ووجدنا فيها فائدة ونفعا جعلنا نشعر بأن هذا المنتج مهم جدا في حياتنا، وهناك العديد من الأمثلة في أجهزة وإلكترونيات، بل حتى الخدمات التعليمية أو الصحية أو غيرها من الخدمات الأخرى لم توجد وتنتشر إلا بسبب الابتكار والتميز.
تخيلوا معي لو أن كبرى شركات العالم مثل مايكروسوفت أو جنرال إليكتريك أو أريكسون أو إتش بي أو سامسونج أو غيرها من كبرى الشركات اكتفت بتقديم منتجاتها الأولى ولم تواصل تقديم المزيد من المنتجات، ولم تعمل على تطويرها وابتكار أفكار جديدة منها فهل ستكون في نفس مستواها اليوم؟.. بل انظروا إلى آليات تقديم بعض الخدمات في بعض الدول المجاورة والتي لم يكن لها لتتقدم لو لم تقم تلك الدول بتحسين وتطوير وابتكار مستوى وأنواع جديدة من الخدمات المقدمة للجمهور، وهذا ما يحدث لدينا في بعض الجهات؛ إذ تجد أن هناك فارقا كبيرا في مستوى الخدمات بين وزارة ووزارة وبين هيئة وهيئة فتجد إحداها تسعى إلى تحسين وتطوير مستواها يوما بعد يوم كما تجدها تقدم باستمرار المزيد من الخدمات الجديدة، وفي المقابل تجد جهات أخرى أشبه ما تكون بالميتة لا روح فيها.
ليس بالضرورة أن كل ابتكار وإبداع يظهر سيكتب له النجاح، ولكني أعتقد أن هناك حاجة ماسة إلى تطوير مستوى التفكير في كثير مما حولنا من خدمات وتقديم منتجات جديدة، ولن يتم ذلك التطوير إلا إذا تم تطوير مستوى تفكير المسؤولين وتهيئة البيئة المناسبة لهذا التطوير، فكثير من الإداريين اليوم لا يزال يفكر بنفس الأسلوب الذي يفكر به منذ عشرات السنين، والدليل على ذلك أن هناك مشكلات عمرها عشرات السنين لم يتم حلها، والسبب أننا نفكر بنفس الأسلوب وهو التركيز على المشكلة وليس التفكير في الحل، مستوى تفكيرنا أصبح يبدع في خلق الأعذار لا خلق الأفكار، وأصبح كثير من الإداريين يعتقد أن بعض المشاكل لا حل لها، وحتى لو قدم له الحل فلا يستطيع أن يقوم بتنفيذه، بل يبحث عمن يساعده على ذلك فإن نجح الحل نسبه إلى نفسه، وإن فشل أشار إلى أنه لم يكن مقتنعا بذلك، وإن سبب الفشل إنما هو مِمن قدموا الحل له وعرضوه عليه وأقنعوه بأن ينفذه.
إن روح التجديد والتطوير والابتكار والتحسين المستمر وتقديم أساليب ووسائل عمل جديدة والتفاؤل وعدم اليأس هي الروح التي يجب أن تكون سائدة في مجتمعنا لنعيش في مجتمع ينبض بالحياة ويسعى لخدمة أفراده ويحقق خطط التنمية المنشودة ويرتقي بمستواه ليكون في مصاف الدول المتقدمة؛ فنحن اليوم نعيش في زمن يتطور فيه كل شيء من حولنا على مدار الساعة، ومن الصعب أن نبقى جامدين أو أن نقاوم عوامل التغيير، بل نحتاج إلى أن نعمل على تطوير وتحسين مستوى تفكيرنا لنجاري هذا الزخم وأن نجدد في أسلوب عملنا وطريقته؛ فقد قيل سابقا (تجدد أو تبدد).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي