اتجه العالم إلى الصين والهند.. فهل نتجه نحن؟
عندما اختار المسؤولون البروفيسور تشون فونق شي رئيسا لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، أثبتوا أن وراء اختيارهم هذا نظرة نحو المستقبل، واستشرافا لتقديم الأفضل. هذا الرئيس الذي أتى من "سنغافورة" هذه الدولة الخليط من الكيانات الصينية والهندية، التي جمعت بين أقوى اقتصادين نموا في العالم على مدى عدة سنوات متتالية.. هذا الاختيار أتى من منطلق مهمة الجامعة التي تتضمن الإسهام في تقدم العلم والتقنية من خلال البحوث الجريئة والتعاونية، والإسهام في توعية القادة في مجال العلوم والتقنية، إلى جانب المساعدة على تنويع الاقتصاد السعودي، والتصدي للتحديات ذات الأهمية الإقليمية والعالمية، بما فيه مصلحة المملكة والمنطقة والعالم.
عندما بدأت مقالي باختيار هذا البروفيسور من دولة خليط تجمع بين ثقافتين اقتصاديتين أثبتتا في وقت قصير منافستهما الشديدة للكبار، بل تغلبتا عليهم في عدة مجالات، كان القصد في كيفية شراكتنا مع هاتين الدولتين اقتصاديا وثقافيا، فالصين بلد كبير وعدد سكانه يقدر بمئات الملايين، يقوم على الصناعة التي أوقف لها جميع أشكال الدعم كي تصل إلى ما وصلت إليه الآن، إذ أصبحت الصناعة الصينية هي المسيطرة في الأسواق على مختلف الصناعات، أما الهند فقد قطعت شوطا لا بأس به في المجال الصناعي، ولكنها ارتأت أن يقوم اقتصادها على الاستثمار في الاقتصاد المعرفي الذي يعرف أيضا بمرحلة ما بعد الصناعة، وذلك نتيجة للتطور الهائل في العلم والتكنولوجيا، فركزت على هذا الاقتصاد الذي تشكل فيه المعرفة مكونا أساسيا في العملية الإنتاجية، وفي يوم أصبح تأثير العلوم والتكنولوجيا على الحياة الاقتصادية والاجتماعية كبيرا جدا.. أي أننا نحصل في نهاية المطاف على مدرستين اقتصاديتين كلتيهما مهمة، والأهم أن نستفيد من تجاربهما بشكل عملي وواقعي.
كان معظم أساتذة إدارة الأعمال الملهمون في الوقت السابق يتجهون إلى الغرب، وأما في الوقت الحالي فإنهم يتجهون إلى اتجاه معاكس، لتصبح آسيا النقطة الساخنة لكبار مفكري الإدارة، حيث شهد العام الماضي بعض أكثر أساتذة إدارة الأعمال تميزاً في العالم يتحركون إلى آسيا، إذ يوضح في هذا الصدد جون كيلش، أستاذ التسويق في جامعة هارفارد، والعميد السابق لكلية لندن لإدارة الأعمال، الذي أصبح عميداً لكلية سيبس في شنغهاي، أن أحد الأسباب الواضحة لهذا الاتجاه هو نمو الاقتصادات الآسيوية، كما أن منحنيات النمو النسبي تفضل آسيا على أوروبا والولايات المتحدة، حيث نجد على وجه الخصوص أن النمو الاقتصادي ترافقه رغبة فعلية في الاستثمار عالي الجودة، كذلك يشعر أعضاء هيئات التدريس بتخفيضات تمويل التعليم في الاقتصادات المتقدمة، ولا سيما في الجامعات التي تديرها الدولة فيما يتعلق بتمويل البحث، ويطلب من أعضاء هيئات التدريس زيادة التعليم على حساب البحث.. هذا الكلام للبروفيسور يؤكد أن تجربة كل من الصين والهند في هذا المجال تستحق الوقوف عندها، ودراستها، وبالتالي التفكير مليا في توجيه برنامجنا للابتعاث الخارجي إلى هاتين الدولتين، والتعلم منهما والاطلاع على ثقافتيهما، وخلق مزيد من الروابط الاقتصادية معهما، إلى جانب الاستفادة من إمكانية التكامل بين اقتصاد المملكة المرتكز إلى البترول ومشتقاته بما فيها المنتجات البتروكيماوية، وحاجة كل من الصين والهند لهذه المنتجات في نمو اقتصاديهما.
إن الوقت الحالي والمتغيرات الاقتصادية العالمية يحتمان علينا العمل بكل جد على مواجهة تحديات العصر، من خلال التطوير والبحث، والاستثمار في المعرفة، واستغلال ثورة المعلومات والتكنولوجيا الهائلة، وأن نأخذ على عاتقنا البحث عن مجالات اقتصادية تكون ركيزة لنا للمحافظة على تقدمنا ونمونا، وكي نلحق بالركب لا بد لنا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، عن طريق توفير البيئة المناسبة والتقنيات التي تسمح بنمو وازدهار صناعة المعلومات، واستغلال الدعم الكبير الذي يوجهه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أطال الله في عمره - لتطوير المعرفة والمنافسة عالميا.