الجهل بالأحوال لا يستلزم الإنكار

من خلال مراجعتي لتعليقات القراء ورسائلهم على بعض المقالات السابقة التي ناقشتُ فيها موضوع توفير مساكن أساسية صغيرة بعناصر قليلة للأسر الفقيرة (التي لا تجد المأوى المناسب وتسكن في العراء في الكهوف وتحت الأشجار أو في ''عشش وصنادق'' متهالكة من ''التنك'' والكرتون لا تردُّ حرَّ الصيف عنهم ولا قرَّ الشتاء، وتجعل الماء يخرُّ على رؤوس ساكنيها كلما هطل المطر، وقلوبهم تنقلع مع كل عاصفة تهب)، أو تمكينهم من المشاركة في بناء مساكنهم بمقدرتهم الذاتية، خصوصاً في المناطق الريفية والنائية، وفي الأحياء المتدهورة في المدن، بتقنيات بناء بسيطة يمكن استخدامها بيُسْر وسهولة (في مثل مقالة: ''ما حكَّ جلدَك مثلُ ظفرك'' و''هل نستطيع توفير مساكن للأسر الفقيرة جميعها؟!'' و''الأماني لا توفر المساكن!''، و''مساكن من أكياس الرمل!'' وغيرها من المقالات)، كنت من خلال مراجعتي لبعض تعليقات القراء أجد شيئاً من السخرية أو الهمز واللمز، بدعوى أنه لا يوجد عندنا مثل هذه الحالات؛ إما لجهلهم بها، أو لعدم رغبتهم في الاعتراف بها، كالنعامة التي تدسُّ رأسها في الرمل للهروب من الخطر.

فبعض القراء ينكر وجود أسر سعودية في أوضاع مشابهة لما تم وصفه في المقالات، وعدَّها من المبالغة الصحفية في الطرح. ويستغرب وصفي لمثل هذه الحالات والحديث عنها وكأنني أفتعلها أو آتي بها من خيالي، فلا والله ما هي أكاذيب مفتعلة ولا تصورات خيالية، بل هي واقع حي ولدي العديد من الصور التي سبق نشرها في الدراسة الاستطلاعية التي أعدتها مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي، أو التي نشرت في تحقيقات صحافية في عدد من الصحف المحلية.

وكنت أستغرب منهم هذا الإنكار ولكني عندما فكرت ملياً في الأمر وجدت أني قبل أن أُنتدب للعمل في مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي ربما كنت أرى مثل رأي الكثير من سكان المدن الذين لم تتح لهم الفرصة لزيارة بعض القرى والمناطق النائية التي يعاني الكثير من سكانها الفقر المدقع (مثل: قرى تهامة عسير أو تجمعات سكان بادية جنوب شرورة وغيرها)، حيث لا يجد بعض السكان غير الكهوف أو ظلال الأشجار أو في ''صناديق'' الصاج الصدئة والآيلة للسقوط أو الإيواء تحت الكراتين. وأعود لأكرر للقراء الكرام أن هذه الحالات واقع حي - وإن كانت محدودة - ولله الحمد. وعندما أكتب أو يكتب غيري عن توفير مساكن مبسطة جداً في مساحاتها وطريقة بنائها، وبمواد رخيصة وذات تكلفة منخفضة، فإننا نرغب في توفير مساكن أكثر أمناً وأكثر سلامة وأفضل لهذه الأسر. وأنا - بعد ذلك - متأكد من أن الأسر التي في مثل الأوضاع السابقة سترحب بها، خصوصاً أنه يمكن توفير أعداد كبيرة منها كل عام.

أستاذ العمارة والإسكان

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي