النصائح النبوية في سلامة المرور

في المقالة السابقة استعرضنا بعض مظاهر سلوك النبي - عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع مما يدل على رفعة وسمو أخلاقه - عليه السلام - وحرصه على تعليم المسلمين الطُرق المثلى للنصح والتوجيه، ومن هذه المظاهر السلوكية حرصه - عليه الصلاة والسلام - على تسهيل أمور الحجاج فكان يقول لهم ويردد (لا حرج لا حرج) إذا زادوا أو قللوا في التلبية، كما كان - عليه السلام - يجيب على جميع تساؤلات الحجاج برغم تكرار الأسئلة أحياناً وإلحاح الحجاج أحياناً أخرى، وكان كذلك وسطاً معتدلاً في كل شيء طوال رحلته التي استغرقت ثمانية أيام، وكان ذلك مراعاة لظروف الضعفاء وكبار السن والمترجلين، كما لم يزاحم - عليه السلام - لبلوغ الحجر الأسود واكتفى بالإشارة بعصاه إلى الحجر، والآن:

نكمل ما بقي من النصائح والأقوال والأفعال

ــــ سمع - عليه الصلاة والسلام - زجراً شديداً وضرباً وصوتاً للإبل وهو يدفع من عرفة إلى منى (النفرة) فأشار - عليه السلام - بسوطه إلى الحجاج الذين يضربون الإبل لتجري بسرعة وقال لهم: (أيها الناس عليكم السكينة فإن البر ليس بالإيضاع (السرعة)، وكان - عليه السلام - ينصح الحجاج الذين يتزاحمون أثناء النفرة من عرفة إلى منى قائلاً (السكينة السكينة) وكان يشد زمام ناقته القصواء حتى أن رأسها يصل إلى رحله - عليه السلام - ليمنع الناقة من السرعة، وكان يسير ببطء في الزحام ولا يتقدم إلا إذا وجد فجوة، وما أحرانا أن نأخذ بسنة نبينا - عليه الصلاة والسلام - ونطبق مبدأ السكينة والبر عند قيادة مركباتنا.
ــــــ شوهد - عليه السلام - وهو يرمي الجمرات يوم النحر ويقول (لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه) من صحيح البخاري.

ـ شوهد - عليه السلام - وهو يرمي جمرة العقبة وهو على راحلته ويقول (إن أُمر عليكم عبد أجدع أسود يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوه) من صحيح مسلم. وفي هذا توجيه وتعليم لنا بأن نطيع قادتنا وولاة أمرنا مهما كانت ألوانهم وأصولهم طالما أنهم يطبقون ويحكمون بما أنزل الله في كتابه العظيم.

ــــ في يوم النحر (اليوم الأول لعيد الأضحى) من حجة الوداع خطب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الناس قائلاً: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضُلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ثم أنهى خطبته بقوله: (ألا هل بلغت..؟ ألا هل بلغت..؟) وقبل أن يبدأ - عليه السلام - هذه الخطبة الموجزة العظيمة أكد على الناس حرمة يوم النحر وحرمة مكة المكرمة وحرمة شهر ذي الحجة ليؤكد للناس أهمية الالتزام بما سيقوله لهم ويذكرهم بحرمة الزمان والمكان الذي يحدثهم فيه لأن تقديس شعائر الله يدل على تقوى القلوب، وهكذا يكرر- صلى الله عليه وسلم - على الناس إضافة إلى ما قاله لهم يوم عرفة في خطبة الوداع يذكرهم بحرمة الدماء وعدم سفكها إلا بالحق (حق الحياة)، كما يذكرهم بحرمة الأموال (حق التملك) ثم ذكرهم بحرمة الأعراض (حق عدم الطعن في الشرف)، كما حذرهم - عليه السلام - من الفتن التي تؤدي إلى الضلال والاقتتال.

عندما كان - عليه السلام - متجهاً من عرفة إلى مزدلفة أردف الفضل بن عباس - رضي الله عنه -، وكان الفضل شاباً وسيماً فمرت ظعن (فتيات) يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع الرسول - عليه السلام - يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر إليهن فحول- عليه السلام - يده إلى الشق الآخر ليحجب الرؤية، وهذا بلا شك يدل على الأدب النبوي الرفيع للنصح والتوجيه دون اللجوء إلى الزجر والتجريح، وفي الحلقة (202) نكمل ما تبقى.

عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان
فاكس: 014708199

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي