نحو خطة وطنية للتعليم الإلكتروني (2 من 2)

ذكرت في مقالة الأسبوع الماضي، الأسباب الموضوعية والتحديثية التي تستدعي تفعيل خطة وطنية للتعليم الإلكتروني، ويجب أن يكون الشغل الشاغل لجميع خبرائنا واختصاصيينا في التعليم، هو تعظيم الاستفادة من المستحدثات التقنية في تطوير العملية التعليمية، والعمل على ربطها بالمعايير العالمية.. ويبرز خيار شبكة المعلومات العالمية Internet الأوفر للدراسة، وبحث كيفية الاستفادة منه في إحداث التطوير والتحديث والتغيير في تعليمنا التقليدي، بعد توالي التجارب الناجحة عالميًا، وأكّدت قابليتها، وقدرتها على إحداث هذا التطوير والتغيير الإيجابي في مجال التعليم، بعدما كثر تداول مصطلحات كثيرة متنوعة، تعكس عددًا من التطبيقات التربوية للشبكة على الخط المباشر، مثل: الجامعة الافتراضية، وهي جامعة إلكترونية، (افتراضية)، لا وجود ماديا لقاعاتها، باستثناء المكان الذي تدار منه، تقوم هيكلتها بالأساس على معطيات Internet من حيث التدريس والتقويم،‏ فضلاً عن المكتبات الإلكترونية التي توفر للمتعلم مصادر المعلومات على هيئة قوالب إلكترونية‏،‏ يسهل الوصول إليها من أي طرفية أي حاسوب من أي مكان في العالم‏؛ ولتقوم هذه الوسائط الحديثة، بدور (المعلم الإلكتروني)، الذي يتلقى منه الطلبة العلم،‏ دون أن يكون له وجود مادي حقيقي،‏ بل أحيانا تُتاح للطالب تحقيق رغبته، وتصوره لما يريده أن يكون عليه هذا المعلم‏.
لذلك ينبغي، أن نشهد قريبًا خطة وطنية لتفعيل التعليم الإلكتروني، على أن يواكبها مجهودات حثيثة، وضخمة من جامعاتنا ومعاهدنا ومدارسنا، ومؤسساتنا السعودية؛ للاستثمار في الإنترنت، وتحقيق الاستفادة القصوى في هذا الخصوص؛ جنبًا إلى جنب مع إدخال التطبيقات المرتبطة به إلى مرحلة التنفيذ،‏ على أن تنصبّ هذه الخطة، وتلك المجهودات على الاهتمام بالتوعية المستمرة،‏ بطمأنة ليس فقط للطلاب والمعلمين،‏ بل لكل الأطراف المشاركة في العملية التعليمية،‏ وأهمها الإداريون وأولياء الأمور‏؛‏ لكيلا يتسرب القلق إلى البعض على دوره في هذا النوع من التعليم الإلكتروني،‏ بعد أن أصبح بإمكان الطلبة الالتحاق به ويختارون المقررات الدراسية،‏ ويدرسونها،‏ ويتم تقويمهم،‏ وحصولهم على الشهادات دون أن يلتقوا بأساتذتهم‏..!‏ والحرص على أن يتم التحول إ‍لى التعليم الإلكتروني، تدريجيًا في مراحله الأولى، بالتوعية بإمكاناته،‏ وصور استخدامه المتنوعة؛ مع إرسال رسائل طمأنة، كما ذكرت لبقية أطراف العملية التعليمية؛ ليكون هذا التدرج ضمانة التحوّل الناجع من الاستخدام الجزئي إلى الاعتماد الكلي عليه في نقل التعليم إلى آفاق رحبة وواسعة من التغيير والتطوير والتحديث‏.‏
ويتوافر عددٌ من الأساليب التي يمكن بها استخدام الإنترنت بسهولة في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا السعودية؛ كإجراءات أولية، وتحضيرية للتعليم الإلكتروني القائم على الإنترنت،‏ وكخطوات تمهيدية لما قد يحدث بعد ذلك من تحول كلي إلى التعليم الإلكتروني، الذي يتوافق مع قيمنا، وإمكاناتنا،‏ ونظمنا التعليمية والاجتماعية والاقتصادية،‏ ومن بين هذه الأساليب‏:‏
ـــ حث الطلبة على استخدام الإنترنت، وتوظيفه في الحصول على المعلومات المرتبطة بالمواد التي يدرسها،‏ بتوجيههم إلى المواقع الإلكترونية الموجودة علي شبكة المعلومات العالمية Internet‏‏.‏
ـــ تشجيع طلبة العلم على استخدام الإنترنت، وتوظيفه في التواصل مع زملائهم ومعلميهم،‏ أو إدارة المدرسة أو الجامعة،‏ للاستفسار عن الواجبات أو الحصول على التوجيه،‏ أو متابعة جداول المحاضرات،‏ والنتائج،‏ والبريد الإلكتروني، وغيرها من التطبيقات الإلكترونية المعروفة.
ـــ العمل على أن يبقى تصفح شبكة المعلومات‏‏ جزءًا من الواجبات والمهام التي يكلف بها الطلبة،‏ كأن يكلفون بالبحث عن مادة علمية ترتبط بموضوع ما،‏ أو قضية ترتبط بمجال دراستهم،‏ وتحليل هذه المعلومات بعد تجميعها،‏ وإعادة تقديمها في صورة مشروع جماعي يتم تقويمه معلموهم‏.
ـــ التوسع في استخدام الإنترنت كأداة لنقل المحتوي التعليمي كليا أو جزئيا للطالب ـــ‏ فيما يعرف بالمقررات الإلكترونية وذلك بوضع أجزاء من المقرر الدراسي على موقع المدرسة أو الجامعة،‏ وتوجيه الطالب إلى ضرورة زيارة هذا الموقع،‏ حيث يجد فيه أنشطة مكملة لما يتعلمه في حجرة الدراسة،‏ والعديد من مصادر المعلومات التي يصعب توفيرها في الفصل،‏ مثل المعامل الافتراضية،‏ والزيارات الميدانية التخيلية،‏ والتسجيلات الحية،‏ والموسوعات العلمية الإلكترونية‏.‏
قد تصطدم هذه الوسائل التطبيقية المتنوعة عن أسئلة أخرى، مشروعة، عن مدى الوثوق بالإنترنت؛ كأداة لنقل التعليم،‏ ولا سيما أنه، حقيقة، رمز للانفتاح على المعلومات،‏ والانفتاح على ‏(الآخر)،‏ وما يترتب على ذلك من أسئلة مشروعة أخرى، مثل: كيفية حماية الطالب‏ ـــ‏ خاصة في المراحل العمرية المبكرة‏ ـــ مما قد يتربص به على طريق المعلومات السريع‏، والخط المباشر‏ ‏Internet‏، وأعتقد أن الحلول في ذلك ميسّرة، خصوصًا وأن شركاتنا الوطنية المزودة للإنترنت، تقوم بهذا الواجب الأصيل عبر ما يُعرف بالشبكة الخضراء، وقبل ذلك الجهود الملموسة والواضحة لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في هذا الخصوص؛ وكذا يمكننا الاستفادة من الخطوات الإجرائية التي اتخذتها بعض الدول العالمية، عبر نشر حملات تدريب وتوعية بما يُعرف بسياسة الاستخدام الآمن للشبكة، وهي مجموعة من الأعراف والقواعد ومواثيق شرف، تنظّم استخدام الإنترنت، توضح الحقوق والواجبات عند التعامل مع الآخرين عبر هذا الوسيط.. وعالميا اتخذت بعض البلدان إجراءات وقائية،‏ بنشر حملات تدريب وتوعية بما يعرف عالميا بسياسة الاستخدام الآمن للإنترنت،‏ وهي مجموعة من الأعراف والقواعد التي تنظم استخدام الإنترنت،‏ وتوضح الحقوق والواجبات عند التعامل مع الآخرين عبر هذا الوسيط‏.‏
لمؤسساتنا التربوية والتعليمية، والاتصالاتية والتقنية، أقول: افتحوا النوافذ لرياح التغيير والتطوير والتحديث،‏ بإيجاد خطة وطنية لتفعيل التعليم الإلكتروني، وكذا توفير مقومات الجودة لبرامجه،‏ وتيسير سبل وصوله إلى كل أبناء الوطن؛ تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية، ولمبدأ إتاحة التعليم الجامعي للجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي