التنمية بين الإيجابية والسلبية

عندما كتبت عن الفرق بين النمو والتنمية، وأوضحت العلاقة بينهما وأهمية كل واحد منهما للآخر، أشرت أيضًا إلى أن التنمية ذات مفاهيم متكاملة، فهناك التنمية بالمفهوم الشامل، وهناك التنمية المحددة بقطاع بعينه مثل التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية أو البيئية أو العمرانية وغيرها كثير، ثم هناك مستويات للتنمية وأبعاد مكانية، ومن ذلك التنمية المتوازنة والمتوازية والشاملة والمستدامة، وكل هذه المفاهيم ربما تجتمع وربما تتتالى بمعنى بدءًا بمرحلة ثم نكمل بالأخرى أو نأخذ بعضها مع بعضها.
إن الاستيعاب الدقيق لمفهوم النمو والتنمية وأنواعها يوفر الكثير من الجهد والوقت والمال لتحقيق ما نصبو إليه جميعًا. وفي السياق نفسه، فإن معرفة أن التنمية في حد ذاتها ذات أثرين متناقضين أو في اتجاهين متعاكسين، الأول ينمو منحى الإيجابية والآخر منحى السلبية.
التنمية السلبية تعني أن هناك تنمية، لكن أثرها التنموي المباشر وغير المباشر ضعيف، ولهذا فإن الاستفادة منها تكون محددة، خيرها لا يتعدى المنفعة المباشرة منها، ولهذا نسمع من البعض أن المشروعات العملاقة التي يتم تنفيذها والمليارات التي تصرف عليها ليس لها أثر مباشر وحقيقي في حياة الأفراد، وبناء عليه فإن اهتمامهم بها اهتمام ضعيف وربما سلبي، على أساس أنهم لم يروا خيرها أمام أبوابهم، كما يقول البعض.
حقيقة؛ إن التنمية سلبية عندما لا تنعكس بأثر إيجابي على حياة الناس ومصالحهم ومعايشهم، ولهذا يسمع الجميع الأرقام الفلكية لمشاريع، ولكن لا يرونها في حياتهم ولا يرون أثرها في الواقع كما يتخيلونها، وهنا تبرز سلبية التنمية وعدم انعكاسها الانعكاس الإيجابي على حياة الناس، ولا تحقق ما يسمى التنمية الشاملة والمستدامة، وهنا تبرز أهمية إعادة النظر في أثر التنمية وتحويلها من تنمية سلبية إلى تنمية إيجابية.
التنمية الإيجابية هي التنمية القادرة على مضاعفة الأثر الإيجابي لكل هللة تصرف عليها، بمعنى انعكاس التنمية على حياة المواطنين وزيادة دخلهم، من خلال تحويلها إلى تنمية ديناميكية تساعد على إيجاد مشروعات ثانوية متعددة، وهذه المشروعات تولد فرص عمل صالحة لاستقطاب الأيدي العاملة الوطنية، بحيث يتحول المشروع أو المشروعات الصماء من طرق وتحلية وقطارات ومبان إلى مشروعات حية تولد مشروعات أخرى قادرة على تحقيق الاستدامة وتوطين فرص العمل ذات النمو العالي والقادرة على تحقيق فكرة الانتقال بالمواطن من باحث عن فرصة عمل إلى موجد لفرص العمل.
إن القدرة على تحويل التنمية من تنمية سلبية إلى تنمية إيجابية من خلال استثمار واستغلال تنفيذ المشروعات العملاقة ستحقق وفرة وظيفية عالية لكل شرائح المجتمع وكفاءاته، وتخفف العبء عن المؤسسة الحكومية في إيجاد الفرص الوظيفية ضمن قطاعها، وفي الوقت نفسه تعظم الفائدة من كل هللة يتم صرفها في مختلف المشروعات الوطنية الكبيرة والصغيرة، وعلى سبيل المثال عندما نحول مشروعات تحلية المياه وإنتاج الطاقة وتنفيذ الطرق والقطارات وإنشاء المستشفيات وغيرها من المشروعات إلى مشروعات منتجة لمشروعات أصغر قادرة على إيجاد فرص عمل للمواطنين في مختلف المحافظات والمدن والقرى، فإننا بذلك نحول تنميتها إلى تنمية إيجابية، ونعزز من فرص استدامتها من خلال إنشاء المصانع القادرة على إنتاج قطع الغيار للمشروعات العملاقة مثل مشروعات التحلية وإنتاج الطاقة وسكك ومقطورات القطارات وغيرها كثير من مثل هذه المشروعات التي نعيش نعيم تنفيذها هذه الأيام، وفي الوقت نفسه ندرب ونؤهل الكفاءات السعودية للعمل في تطوير مثل هذه المشروعات والعمل في مراحلها اللاحقة مثل الصيانة والتحديث والتطوير، وبناء كوادر وطنية للقيادة والعمل في مختلف الشركات داخل المملكة وخارجها.
إن استيعابنا العلاقة والفرق بين التنمية الإيجابية والسلبية وتحويل تنميتنا إلى تنمية إيجابية يتطلب تغييرًا جذريًّا في طريقة تفكيرنا أولًا، ثم طريقة عملنا بحيث نربط كل مشروع ذي قيمة مالية عالية ببرنامج توطين الاستثمار وتحقيق استدامة التنمية، ونضع لذلك مقاييس للتأكد من نجاح التوجه وفق خطة تنموية محددة الرؤية والأهداف، وتكون أهدافها قابلة للقياس حتى نضمن تقويم الأداء.
الخطة التنموية ترسم بما يضمن استمرار تحقيق تنفيذ المشروعات وفقًا للخطة وليس وفقًا لما هو متوافر في الميزانية، وبذلك نعدل المفهوم المقلوب حاليًا من أن الميزانية هي التي تقود الخطة وليس العكس، ونعزز ذلك بتقوية دور الحكم والإدارة المحلية في المناطق والمحافظات كذراع تنفيذية للخطة التنموية المستدامة الإيجابية. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا
إن بر عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من أرضاك ظاهره
وقد أجلك من يعصيك مستترا

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي