تجارة القنوات الإخبارية

أصبح واضحا للجميع أن الخبر السياسي والاجتماعي قد تفوق خلال السنة الماضية على الخبر الترفيهي، وذلك نتيجة للتقلبات التي عاشها العالم العربي والتي شهدت إطاحة أنظمة سياسية وخلقت قلاقل في التكوينات الطائفية في بعض المجتمعات واستنهضت صوت الشباب عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، حيث تحولت من أغلبية مهمشة إلى أغلبية فاعلة ومؤثرة بل قادرة على إحداث الفرق على أرض الواقع.
رغم أن وسائل الإعلام الاجتماعية تبقى أحد أهم المحركات في تجييش الشارع في هذه الدولة أو تلك إلا أن التلفزيون، وإن شكك البعض، يبقى الوسيلة الإعلامية التي تعتمد عليها الأغلبية في التأكد من موثوقية المعلومة وتحولها من ''رواية شاهد عيان'' إلى رواية موثقة ''يشاهدها العالم أجمع''.
لم تعد قناة ''العربية'' وقناة ''الجزيرة'' من الناحية الإعلامية قنوات إخبارية متخصصة فقط، كما لم تعد مشاريع إعلامية خاسرة من الناحية التجارية، فالجمهور الذي يتابع هاتين القناتين لم يعد كما كان في الماضي عندما كان كبار السن فقط هم من كان يهتم بمشاهدة نشرة الأخبار أو الاستماع إلى ما كان يدور في العالم عبر إذاعة لندن، بل أصبح الشباب والشابات المتفاعلون عبر الوسائل الإعلامية الإلكترونية هم الجمهور والذين أصبحوا بدورهم كذلك جزءا من عملية خلق المحتوى وتحديد أجندته من خلال مشاركتهم في الترويج لما يحدث والمشاركة فيما يحدث ميدانيا من تفاعلات سياسية واجتماعية كما شاهدنا في تونس ومصر واليمن والآن في سورية.
يوم الخميس الماضي أطلقت قناة ''العربية'' قناة جديدة باسم ''العربية الحدث'' والتي وصفها مديرها العام الإعلامي عبد الرحمن الراشد بأنها ''قناة ستكون نافذة إضافية لقناة العربية الأساسية، حيث إن هدفها هو تحقيق مواكبة أوسع للتطورات والأحداث في المنطقة والعالم والذي يتطلب دوماً المزيد من التغطيات والمعلومات''، وهو وصف في تقديري ينطبق على قناة ''الجزيرة مباشر'' والتي تبث من عدة سنوات التغطيات الموسعة للأحداث لتترك المجال للقناة الأم لتكملت برامجها بالشكل الاعتيادي وهو التبرير الذي حمله بيان القناة المنشور في موقع العربية نت والذي أعلن فيه موعد انطلاقة قناة العربية ''الحدث''.
قبل أيام كذلك أعلن الأمير الوليد بن طلال عن الموعد المحتمل لإطلاق قناته الإخبارية الجديدة ''العرب'' والتي قرر أن ترسي أشرعتها أخيرا في البحرين بعد أن تنقل مقرها الرئيس في مرحلة الإعداد من الرياض إلى دبي وإلى أبو ظبي، وهي القناة التي يقول عنها البعض إن إطلاقها تأخر أكثر مما يجب، فمشروع يديره ويخطط له رجل أعمال ناجح مثل الأمير الوليد وبسيرته الطويلة في تحقيق تحولات كبيرة في الإعلام المرئي إلى جانب وجود إعلامي مخضرم جمع ما بين المهنية الصحفية والقدرة الإدارية والدراية السياسية والخبرة الميدانية يقال إن من الصعب بهذه الخلطة السرية أن يستغرق إطلاق القناة من تاريخ إعلانها في أيار (مايو) 2010 إلى تاريخ الإطلاق المعلن 12/12/2012 سنتين ونصف تقريبا، خصوصا إذا ما علمنا أن قناة ''سكاي نيوز أريبيا'' والتي تعتزم هي كذلك الإطلاق خلال ربيع هذا العام من أبوظبي لم تستغرق كل هذا الوقت، حيث إنها بدأت في إعلان طواقمها التحريرية مما يدل على قرب الإطلاق الفعلي.
هذه الطفرة في عدد القنوات الإخبارية في أعقاب الربيع العربي تأتي ونحن لا زلنا نتذكر فشل قنوات أخرى ظهرت بعد حرب العراق 2003، فما بين المرحلتين ربما تغير الكثير وربما بقي الكثير على حاله، ولكن من المؤكد أن الجانب التجاري في العملية أصبح هو الأساس، فالقنوات التي ظهرت في فترة حرب العراق كانت وربما لا تزال تحاول تمرير أجندتها السياسية على المتلقي الرافض أساسا لذلك الحراك غير الشعبي، بينما القنوات التي تظهر اليوم كما هو باد تحاول أن تراهن تجاريا على الحراك الميداني الذي يتحرك من وإلى الشعب والذي في رأي المستثمرين هو أساس الربح الذي سيجنونه ماليا عبر الإعلان والترويج وهو ما أصبح واضحا اليوم بارتفاع نسبة الإعلانات على القنوات الإخبارية المتخصصة عما كان عليه الوضح في الماضي.
هل تصبح السياسة جالبة خير للاقتصاد في منطقتنا؟ وهل يصبح الإعلام وسيلة تنوير في العالم العربي بعد أن كان وسيلة ترفيه لسنوات طوال؟ وهل سيتحول الإعلام من صوت يأتي من الأعلى إلى صوت ينقل من الأدني؟ وهل سيتحقق التوازن المنشود بين قدرة المال وحق التعبير؟ كلها أسئله تنتظر الزمان ليكشف لنا بعض أجوبتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي