الفساد .. الكمية محدودة!
راقبت خلال الأيام الماضية إعلاناً رسمياً عنوانه "معاً ضد الفساد"!
يبدأ بالتالي: "أخي المواطن/ أخي الموظف": متبوعة بعبارة إرشادية توعِّي بخطر الفساد!
اللافت في الإعلان، ما يلي:
أولاً: أن هناك حصرا للخطاب التوعوي من خلال توجيهه للمواطن والموظف فقط! وهذا يوحي بانتهاء الفساد عند هاتين الفئتين! ثانياً: دائرة الوظيفة بدأت بصيغة المخاطب (أخي) دون (أختي)، مع العلم أن (أختي) أصبحت موظفة في مواقع قيادية لها موازنات تقارع الموازنات المرصودة لـ(أخي)، وقد تتفوق عليها في أحيان! كما لمحت أن فيها رمادية لا تساعد على رسم ملامح لهوية الموظف، فهل هو مواطن أم مقيم؟
ثالثاً، وهو الأهم: حصر الخطاب التوعوي بتوجيهه للمواطن "العادي" والموظف، يعفي فئة أهم وأقوى من المساءلة! ألا وهي فئة المسؤولين. فالدارج في ذهنية المجتمع يؤكد أن المواطن هو رجل الشارع السعودي "العادي"، والموظف هو ذاك الذي يشكل مع مماثليه المكوّن الأهم للطبقة الوسطى! فأين المسؤول من كل هذا؟!
ما دعاني للتأني وعدم الكتابة في الموضوع منذ الأسبوع الماضي، هو أني لمحت زخم حضور هذا الإعلان في الصحف الكبرى على مدى أيام، فقلت لنفسي: "يمكن فيه إعلان ثاني خاص بالمسؤول!" وانتظرت.. لكني لم أر شيئاً حتى ساعة كتابة هذا المقال!
ما حصل من خلال بث هذا الإعلان، والذي يبدو أن الهيئة أنفقت عليه الكثير وحرصت عليه أكثر بتكرار نشره في الصحف اليومية، هو في جزء منه تأصيل لإحباط مجتمعي تجاه مساحة المساءلة وملامحها! فكثير من الناس يعتقد أن هناك من تجاوز هذه الضوابط، وأن المساءلة مقصورة على المواطن "العادي".. والموظف "الدارج"! وهذا ما ينبغي عدم توثيقه في ذهن المجتمع وضميره. فنحن أمام مجتمع ينتظر نتيجة محاسبة المتسببين في كارثة سيول جدة، المساهمات الوهمية، السطو على ممتلكات عامة.. وغيرها من قضايا الفساد الإداري والمالي التي تقاطعت مع حياة السعوديين وبرزت كمطلب إصلاح اجتماعي خلال الأعوام القليلة الماضية!
عطفاً على عنوان هذا المقال: "الفساد.. كمية محدودة"!، المطلوب هو عكسه تماماً، من خلال صناعة خطاب توعوي لا يتعمد تحديد كمية الفساد. فالفساد في تصوري على الأقل، كالإرهاب، والأخير لم يتم الاتفاق على تعريف له حتى اليوم! بالتالي، تناول الفساد بهذه المباشرة سيعمق مشكلة المفهوم والدلالة. من جهة أخرى، من غير المناسب أن يتوجه الخطاب التوعوي للمواطن والموظف دون غيرهما! فالمهمة في جانب الممارسة تعتبر مهمة إدارية، ولأنها كذلك، فمن الصعب أن نقول إن هناك دولة قادرة على إعفاء نفسها من الفساد، قل أو كثر، والإدارة فيها مراتب، وإن كنا متفقين على أن مراتب الإدارة قد تحتوي على نماذج فاسدة، فأقترح أن يشار إليها في التوعية ضد الفساد بـ (أخي المسؤول)!!