موظفو القطاع الخاص والأحلام المؤجلة!
ربما يختلف حديث اليوم عما اعتدت من ذلك في سالف أحاديثي على هذا المطبوع الأغر، ويأتي ذلك التفرد بالنظر إلى طبيعة الاحتكاك الذي جمعني بنخبة كبيرة وغالية من الشباب السعودي العامل في القطاع الخاص، فالمملكة المحروسة توجه بشكل دائم بدعم توجه الشباب نحو العمل في القطاع الخاص، وهذا أمر محمود، ففي الكثير من الدول المعدودة على سلم الدول المتقدمة اقتصادياً، يستحوذ القطاع المذكور على نسبة 70 في المائة من الأيدي العاملة تاركاً البقية للقطاع العام عن رضا وقناعة لظروف وقوانين تحكم ذلك القطاع بحكمة من جهة، وتحفظ للموظف حقوقه التامة في القطاع الخاص من جهة أخرى.
الحال في المملكة يختلف بعض الشيء، وله صورة أخرى، فالقطاع العام يحظى باحترام كبير نتيجة الدعم الحكومي اللافت، لدرجة أن الكثير من الشباب السعودي العامل في القطاع الخاص مستعد للتخلي عن وظيفته في هذا القطاع لمصلحة القطاع العام والحصول على وظيفة حكومية أو شبه حكومية أو في شركات مملوكة للدولة حتى لو أدى ذلك إلى التخلي عن نصف راتبه المأخوذ في القطاع الخاص!
والسؤال الذي يفرض نفسه على الواقع: لم هذا الإقبال على القطاع الحكومي وشبه الحكومي وانعكاس الصورة مع القطاع الخاص؟ سأكون أكثر دقة ولن أطرق إلى كماليات الحياة وإنما إلى ضرورياتها ـــ حسب العرف الاجتماعي لا الشرعي لأن منوط الضروريات يختلف عن منوط الحاجيات والتحسينات، إن أي إنسان يحتاج إلى سكن، ويتعين على موظف القطاع الخاص تأمينه لنفسه لتبدأ معه فصول الإيجارات، حيث يتردد كثير من الملاك بتأجير المساكن للموظفين العاملين في القطاع الخاص مما يجعل حصولهم على سكن أمرا صعباً، ولو فكر موظف القطاع الخاص بالحصول على بيت ملكاً صرفاً، فمن المؤكد أنه سيذهب إلى أحد البنوك التي لن ترحمه، فموظفو القطاع الخاص بصورة عامة تحملهم البنوك نسبة فوائد على القروض ما بين 4 و5 في المائة، بينما تحمل موظفي الشركات الحكومية أو شبه الحكومية نسبة أقل من هذا بكثير، ولا ننسى أن النسبة تضرب في عدد السنوات، بمعنى لو طلب قرضاً لمدة عشر سنوات ستكون نسبة الفائدة على القرض في المدة الكاملة هي 50 في المائة، هذا جانب.
هناك حاجة أساسية أخرى تتمثل في العلاج، إذ لا يُعالج أغلب موظفي القطاع الخاص في مستشفيات ممتازة، وإنما يعالجون في مستشفيات لا تستحق حتى أن تحمل اسم محل عطارة، وهنا نتوقع الكثير من وزارة الصحة لوضع معاير صارمة لإيقاف هذا الخطر، وتسهيل سبل الحصول على العلاج الكريم، والنظيف، ولا نبالغ إن قلنا إن بعض المستشفيات لديها شهادات في الجودة مع أنها لا تطبق هذه المعايير، وقس على هذا الكثير من التحديات التي يعيشها موظفو القطاع الخاص، مثل ساعات العمل الطويلة التي تصل إلى 9 ــ 10 ساعات عمل في اليوم، فكم بقي من يومه إذا كان يعمل بمعدل 10 ساعات يوميا تزيد ولا... تنقص!
قد يأتي الرد من صاحب العمل في القطاع الخاص بالقول: ''يجب أن أحافظ على ربحيتي وأقلل المصاريف''، وأنا أقول: أهم عمل لربحية الشركات إنما هو الحصول على موظفين جيدين، ولكي تحصل على هؤلاء يجب أن يكون لديك نظام مميزات لهم، فيه الكثير من موظفي القطاع الخاص الذين تمر عليهم السنوات دون أن يأخذوا دورة تدريبية واحدة.
أما البنوك فلديها معزوفة أخرى لكنها تجري على النوتة نفسها، فهي تتبنى الحفاظ على حقوق المستثمرين، نعم!، وهذا واجبهم، إذ إن تعظيم العوائد للمستثمرين مهم ومطلوب للاستمرارية، ولكن من يحافظ على حقوق موظفي القطاع الخاص الذين لا يوجد لهم تدريب، ولا يوجد لهم مسار وظيفي، ومتوسط رواتبهم يراوح بين 3500 و4000 ريال حسب إحصائية 2010؟
أسئلة كثيرة في الذهن، لماذا لا يكون هناك دور لمؤسسة التأمينات الاجتماعية ومؤسسة النقد بتخفيض نسبة الفائدة على موظفي القطاع الخاص؟ لماذا لا تكون هناك شركات متميزة بمعنى أن تكون لدينا شركات فئة ''أ'' وهي الشركات التي تعد شركات قوية، وشركات فئة ''ب'' أقل منها، وهكذا، فيكون لكل فئة امتيازات، أين دور مكتب العمل في وضع حد أدنى للرواتب لكل فئة؟ إذا أردنا اليوم أن نستقدم خادمة، فإن حكومتها تفرض علينا حداً أدنى للراتب، ألا يستحق ابن البلد الموظف العامل في القطاع الخاص حداً أدنى لمثل هذا الراتب؟ كلها أسئلة تبحث عن إجابات، وإلى أن تصل لا نملك سوى أن نقول: كان الله في عونك يا موظف القطاع الخاص.