القروض الشخصية وتصحيح المفاهيم الخاطئة

بين الحين والآخر تطلق بعض الأقلام الاقتصادية المحلية تحذيراتها عن مغبة توسع البنوك التجارية العاملة في المملكة، في منح القروض الشخصية لعملائها، بالشكل الذي يتسبب في إرهاق قدراتهم وإمكاناتهم المالية، بما في ذلك تآكل مدخراتهم وثرواتهم الشخصية، ولاسيما أن القروض الشخصية، بما في ذلك قروض بطاقات الائتمان في المملكة، قد شهدت نمواً وتوسعاً ملحوظاً خلال العقد الماضي، نتيجة لتهيئة البيئة الائتمانية المناسبة والملائمة لتوسع البنوك في ذلك النوع من الإقراض، وأيضاً للنمو المطرد على الطلب من قبل أفراد المجتمع على القروض الشخصية.
دون أدنى شك أن التوسع غير المدروس في منح القروض الشخصية، وبالذات في غياب وجود بيئة ائتمانية مواتية، تعمل على حفظ حقوق الدائنين والمدينين، وتعمل أيضاً على تقنين عملية منح ذلك النوع من القروض، قد ينذر بحدوث مشاكل اقتصادية واجتماعية لا تحمد عقباها، ولدينا من الأمثلة العديدة على مستوى العالم على حدوث ذلك، والتي كان آخرها الإفراط في منح القروض العقارية في أمريكا، وما تسبب في حدوث أزمة الرهونات العقارية.
بالنسبة للوضع في المملكة، فإن منح القروض الشخصية يخضع لضوابط ائتمان صارمة، صدرت عن مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) في عام 2006، عملت على تحديد حقوق الأطراف المتعاقدة (المقرض والمقترض) بما في ذلك الضمان أو الضمانات المقدمة، وطريقة احتساب الأرباح. كما أن وجود سجل ائتماني للعملاء المقترضين، يصدر عن الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة)، أسهم بشكل كبير في تحسين البيئة الائتمانية في المملكة، سواء كان ذلك على مستوى التمويل الشخصي أم على مستوى تمويل المؤسسات والشركات.
وبالنسبة للانتقادات الموجهة للبنوك المحلية نتيجة ما يذكر عن إفراطها في منح القروض الشخصية للعملاء، وبلوغها مستويات مقلقة اقتصادياً، حيث بلغت قيمة إجمالي تلك القروض 219 مليار ريال بنهاية الربع الثالث من عام 2011، فهناك آراء اقتصادية تدحض تلك الانتقادات، باعتبار أن حجم القروض الشخصية الممنوحة من قبل البنوك للعملاء، لا تزال مستوياتها مقبولة اقتصادياً، وبالذات في ظل الزيادة الكبيرة، التي طرأت على عدد عملاء البنوك خلال العقد الماضي، إضافة إلى الطلب المتنامي على تلك القروض، وأن حجمها نسبة إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة لا يزال معقولاً، إذ لا تتجاوز تلك النسبة 11 في المائة، في حين أنها أكثر من ذلك بكثير بدول أخرى.
وبالنسبة لاعتراض البعض على نسب العوائد أو هوامش الأرباح التي تتقاضاها البنوك المحلية على القروض، فإن تحديد تلك العوائد وتلك الهوامش، تحكمه عدة اعتبارات، من بينها عوامل المنافسة والسوق، ودرجة المخاطر، وتكلفة الأموال، وإلى غير ذلك من العوامل، ولعلنا نلحظ أن البنوك في الوقت الحاضر، تُقرض عملاءها بهوامش أرباح منخفضة نتيجة لتلك العوامل. كما أن ضوابط التمويل الاستهلاكي، التي أصدرتها مؤسسة النقد العربي السعودي في عام 2006 وألزمت جميع البنوك بتطبيقها، قد فرضت مستوى عاليا من الإفصاح والشفافية، وبالذات فيما يتعلق بطريقة وأسلوب احتساب تلك العوائد والهوامش.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي