«وعد» .. يسر الخاطر

في خضم الأحداث الإقليمية المحزنة التي باتت منذ عدة شهور ملازمة للمشهد العربي، وما غرسته من إحباط في نفوس الكثير من الناس ونظرتهم للمستقبل، وجدت فسحة أمل في القرار الصادر عن مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 28/3/1433هـ بإنشاء مدينة صناعية في منطقة الحدود الشمالية باسم مدينة ''وعد الشمال'' للصناعات التعدينية. ذلك الأمل يرتكز على شواهد عدة في قرار المجلس وما تلاه من تعليقات أدلى بها بعض المسؤولين المعنيين مباشرة بذلك المشروع. ولعل على رأس تلك الشواهد الموقع الجغرافي الذي اختير لتأسيس تلك المدينة والمساحة التي حُجزت لها. إذ إن من حسن حظ السعودية أن وهبها الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ مساحات شاسعة ذات عمق جغرافي مميز وسواحل بحرية طويلة ما يوفر لها خيارات واسعة لتوزيع استثماراتها سواء كانت على هيئة مجمعات صناعية ضخمة أو غيرها. وما يعزز هذا التوجه العقلاني الرؤية بعيدة النظر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أمد الله في عمره، بإنشاء مدن اقتصادية وصناعية في بقاع متعددة من الوطن تتوافر فيها البنية الأساسية والطاقة اللازمة.
وكنت قد ذكرت في مقال نشرته ''الاقتصادية'' بتاريخ 25/12/1429هـ أن الأوضاع الجيوسياسية السائدة في العالم اليوم، لا سيما على المستوى الإقليمي، تجعل من الواجب عند دراسة جدوى المشروعات الاستراتيجية أو ذات الاستثمارات الكبيرة أن نراعي بشكل أكثر من ذي قبل عنصر المخاطر المحتملة المرتبطة بالمواقع المتاحة لتلك المشروعات عند مفاضلة موقع منها على الآخر. وأشرت في ذلك المقال إلى أن دراسات الجدوى التي تغفل عنصر المخاطر وتقتصر فقط على تناول العناصر التقليدية كحجم السوق، المواد الخام، إمدادات الطاقة، التمويل، وغيرها، لم تعد كافية لرسم صورة عادلة ومتكاملة عن أي مشروع على المدى الطويل. صحيح أن المملكة لديها تجربة سابقة في بناء وإدارة مجمعات صناعية ضخمة عندما أنشأت المدينتين الصناعيتين في الجبيل وفي ينبع قبل أكثر من 30 عاماً، غير أن المشهد على الساحة الدولية والإقليمية يومئذ يختلف تماماً عما هو عليه اليوم.
هناك دروس أخرى برزت من خلال تجربة المدن الاقتصادية التي تأسست في السنوات القليلة الماضية. من بين تلك الدروس عقبة ملكية الأراضي، وكفاية إمدادات الطاقة لبعض المشروعات. ويبدو أن الدراسة المتأنية التي بُني عليها قرار إنشاء ''وعد'' قد أفادت من تلك التجارب السابقة وما حملته من دروس. إذ تضمن قرار مجلس الوزراء تخصيص أرض مساحتها 290 كيلو مترا مربعا لإقامة المدينة عليها، وأرض أخرى مجاورة لها مساحتها 150 كيلو مترا مربعا لمشروع شركة معادن للصناعات الفوسفاتية ومشاريعها الأخرى المرتبطة به. وسيتولى صندوق الاستثمارات العامة والشركة السعودية للخطوط الحديدية ''سار'' ربط المدينة الجديدة بسكة حديد الشمال ـــ الجنوب وتزويدها بالمقطورات المناسبة إلى مرافق التصدير التي سيتم بناؤها على نفقة الدولة خصيصا لصادرات مشروعات التعدين في رأس الخير التي تطل على الخليج العربي. وتقدر المبالغ التي ستتحملها الحكومة لإقامة البنية التحتية للمدينة نحو 4.5 مليار ريال ما يعد عامل جذب لضخ استثمارات جديدة من القطاع الخاص من شأنها توفير فرص عمل برواتب مجزية.
ولم تقتصر التزامات الحكومة وضماناتها على تلك الحوافز السخية فحسب. إذ التزمت شركة أرامكو السعودية بتطوير الكميات اللازمة من الغاز في المنطقة الشمالية لمشروع شركة معادن ومدينة ''وعد'' وما ستحتضنه من مشروعات واستثمارات. ويعد ذلك الالتزام العامل الأكثر تأثيرا على مستقبل ''وعد'' وقدرة مشروعاتها على الصمود أمام المنافسة في الأسواق العالمية.
الشاهد هنا أنه قد وُجد مستوى جيد من التنسيق بين عدد من الجهات الرسمية في مقدمتها وزارة المالية، وزارة البترول والثروة المعدنية، ووزارة التجارة والصناعة، أنتج للوطن وأجياله القادمة عملا يسر الخاطر، بإذن الله، ويشكل خريطة طريق للقادم من المشروعات الكبرى التي يعول المجتمع عليها الكثير من الآمال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي