على مدير الجامعة أن يستقيل

أراقت صحافتنا أنهارًا من الحبر مطالبة بتنحي مدير جامعة الملك خالد، لكن الرجل لم يكلف نفسه حتى عناء الخروج إلى الناس وبيان موقفه. لم يتحدث الرجل قط للصحافة التي تقصفه منذ أسبوع، ولم يتحدث لطلابه الذين فاض بهم الكيل، فقالوا فيه ما يصح وما لا يصح. ذكرني هذا بموقف مديري الاقتصاد الوطني حين انهارت سوق الأسهم قبل بضع سنوات، يومذاك انتظر مئات الآلاف ممن خسر بعض أو كل رأسماله، انتظروا توضيحًا أو تفسيرًا أو تطمينًا من مؤسسة النقد أو وزارة المالية أو هيئة سوق المال، لكنهم لم ينعموا حتى بكلمة تطييب خاطر، فضلاً عن توضيح كارثة أصابت الصغير والكبير.
هل هو مجرد إهمال، أم عجز عن التعامل مع الموقف، أم اعتقاد يسود بين الإداريين بأنهم ليسهم مسؤولين تجاه المجتمع، أم هو انتظار متعمد حتى ''تنكسر الموجة'' وينشغل الناس بأمور أخرى فينسون الجرة المكسورة؟
أشعر - مثل كثير من الناس - بالعجز عن استنباط تفسير لهذا الصمت الغريب، لكنني أعلم - مثل كل الناس أيضًا - أن ترحيل التأزمات أو التقليل من أهميتها لا يأتي بحل، بل ربما حول المشكلة إلى معضلة. إني أخشى حقًّا من شعور الشباب بأن همومهم لا تثير اهتمام أحد ولا تحرك ساكنًا. يقولون في علم النفس إن علاقة الإنسان بالمحيط تتطور في سياق تجاذب بين جانبين في نفسه: ميل للتكيف وميل مضاد للمنازعة. يشتد الميل للتكيف إذا حظي الفرد باستجابة البيئة الاجتماعية لمطالبه وهمومه، ويشتد الميل للمنازعة إذا ووجه بالإغفال أو الصد. المنازعة ليست مجرد سلوك فردي، فهي روحية تبدأ بواحد ثم تنتقل بين الأقران المتماثلين في العمر أو الثقافة أو الهموم. مجتمع الطلبة أكثر البيئات انفتاحًا على التغيير؛ لأنه بطبعه، وبالنظر للعوامل المذكورة ميال للتمرد على المعتاد والمألوف.
هذا الطبع يستثمر إيجابيًّا حين يتمرد الطلاب على الأجوبة المألوفة، فينظرون إلى ما وراء العرف المألوف، فيأتون بابتكارات وكشوف علمية تثير الإعجاب. لكنه قد يذهب في منحى التمرد على النظام الاجتماعي ومنظوماته القيمية وأعرافه، فيؤدي إلى خلخلة البناء العلائقي والقيمي ونظام المصالح السائد.
يقول لي بعض الأصدقاء إن استقالة مدير الجامعة ستشجع الطلبة على المزيد من المطالبات، وقد تثير حماسة طلاب الجامعات الأخرى لخوض التجربة التي سبقهم إليها زملاؤهم في أبها. لكن الصحيح أن الاستجابة السريعة والجذرية ستكون أخف عبئًا وأهون تكلفة من مكابرة قد تأتي بما هو أدهى.
نخشى أن يؤدي إهمال مطالب الطلبة إلى شعورهم بالمهانة، وهذا لن تكون عاقبته تناسي ما حصل، بل تشديد الميل للمنازعة في نفوسهم. الميل للمنازعة روح تسري بين الأقران وقد تنتشر نارها إلى المجتمع الطلابي بأكمله. أعلى ثمن يدفع اليوم هو استقالة مدير جامعة لا أكثر، لأن غير ذلك قد يعقِّد الأمور على المستويين الإداري والطلابي على نحو يتعذر معه الاكتفاء بإبعاد مدير الجامعة، الأمر الذي على مدير جامعة الملك خالد أن يدركه بحس وطني فيبادر إلى إعفاء نفسه من مغبة ما قد يحدث غدًا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي