مواجهة الرسوم بتجارة إقليمية
"لن نتوقف عن زيادة الرسوم الجمركية عندما نجد ذلك ضرورياً"
دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة
لا يبدو أن المواجهات التجارية الراهنة على الساحة العالمية ستتوقف قريباً، بل هي مرشحة للتفاقم، مع إصرار الولايات المتحدة التي بدأت هذه المواجهات، والأطراف الأخرى، التي لم تجد أمامها سوى الوقوف بصلابة أمام "المد الجمركي" الأمريكي، حتى إن رئيس وزراء كندا الجديد مارك كارني، طلب تفويضاً من الكنديين للرد بقوة على تعريفات الرئيس دونالد ترمب، مشدداً على أن بلاده، لن ترضخ لهذه "السياسات العدوانية". الأوروبيون، وعلى رأسهم الفرنسيون والألمان، لم يكونوا أقل حدة من المسؤول الكندي، فهم أسرعوا في فرض رسوم فورية على سلع أمريكية بقيمة 26 مليار يورو، وسيمضون في هذا الاتجاه إذا ما دعت الحاجة لاحقاً، خصوصاً مع بدء سريان الرسوم الأمريكية على كل السيارات الآتية من الخارج، التي تصل إلى 25 %.
البلدان التي تنل منها الرسوم الأمريكية الجديدة، لم تعتمد فقط على المعاملة بالمثل، بل بدأت حراكا جديداً وفاعلاً من أجل تعزيز التجارة الإقليمية، التي ستوفر مزيداً من التكاليف، وتوسع نطاق الإنتاج بين الدول ذات الصلة.
وإذا ما نظرنا إلى ماهية هذا الحراك، فهو عملياً يدخل ضمن نطاق الحمائية الإقليمية -إن جاز التعبير- ما يعزز وتيرة التجارة والتنوع التصنيعي، فضلاً عن الاستقرار المطلوب في حركة التجارة عموماً، ولا سيما الجانب المتعلق بسلاسل التوريد، التي واجهت مصاعب شتى وقوية عالمياً على مدى عامين، علاوة على التسهيلات اللوجستية التي تكفلها العوامل الجغرافية. إنه أسلوب جديد لسياسة تجارية أمريكية جديدة، كانت متوقعة بالفعل، حتى قبل وصول ترمب للبيت الأبيض.
أوروبا تتحرك بالطبع في هذا الاتجاه، بل تذهب أبعد من ذلك لرفع مستوى العلاقات التجارية بينها وبين البريطانية الخارجة من الاتحاد الأوروبي. لندن بحكومتها العمالية الحالية، حريصة هي الأخرى على علاقات أرفع مع الاتحاد، لا هي كاملة ولا هي متواضعة. فمسألة العودة إلى ما كانت عليه العلاقات مع بروكسل، تحتاج إلى عقد من الزمن على الأقل. أما على الجانب الآخر من العالم، فينطلق الحراك اللافت بين كل من كوريا الجنوبية واليابان والصين، وهي دول نالتها بقوة "تعريفات ترمب"، عبر حوار اقتصادي هو الأول من نوعه من 5 سنوات على الأقل. الهدف هو تسهيل التجارة الإقليمية، بما يحتوي الآثار الناجمة عن الرسوم الأمريكية.
مثل هذا الحوار، سيأتي بـ"منتج" لا تريد الولايات المتحدة بالطبع، وهو شكل من أشكال اتفاقيات التجارة الحرة بين البلدان الـ3، بقوتها الاقتصادية الهائلة. ولا شك في أن مثل هذا "المنتج" سيعزز تلقائياً التجارة العالمية، نظراً لما تمثله هذه الدول من ثقل إنتاجي وتجاري. واللافت، أن كلاً من سيول وطوكيو وبكين، لم تحقق تقدماً بشأن اتفاقية التجارة الحرة، في المحادثات التي بدأت عملياً في عام 2012، لكن الأجواء مواتية الآن لقفزة نوعية ضرورية في ظل مشهد التجارة العالمية المضطرب. لا شك، أن هناك نزاعات إقليمية بين الجهات الـ3، إلا أنها قابلة للتسويات في هذا الوقت بالذات. فالمشهد العام، يتطلب "وحدة" قوية أمام "أمواج التعريفات المتلاطمة".
الحراك الأوروبي الذي لم يتوقف بآلياته التطويرية، ومعه حراك أكبر 3 دول اقتصادياً في آسيا، سيؤدي حتماً إلى تغير المشهد على صعيد شراكات الولايات المتحدة التجارية. فحتى توسيع التعاون التجاري فقط، قبل الوصول إلى اتفاقية تجارة حرة بين البلدان الـ3، يكفي لامتصاص بعض من آثار "التعريفات الترمبية"، التي يبدو أن تمضي في مسار لا رجعة فيه، على الأقل في العام الجاري.