رسالة الخطأ

Search is temporarily unavailable. If the problem persists, please contact the site administrator.


قراءة اقتصادية في الأوامر الملكية (2)

ناقشت في الجزء الأول من المقال نتائج مرور عام على صدور 20 أمراً ملكياً تنموياً ومدى تفعيل هذه القرارات على أرض الواقع. سأعقب في الجزء الثاني على بقية تلك الأوامر وأثرها في الاقتصاد المحلي.
رابعاً: تطبيق عقوبات على المتلاعبين بالأسعار. لا شك أن ارتفاع معدلات التضخم في السعودية أمر مقلق لنا جميعاً، خاصة مع توافر سيولة هائلة تبحث عن فرص للاستثمار في الأسهم والعقار مع وجود سيولة ضخمة خارج أسوار الوطن. التوجيهات التي صدرت الأسبوع الماضي لكل الجهات الرقابية كوزارة التجارة والشؤون البلدية والقروية تؤكد أهمية تفعيل القرار الملكي. المطلوب تشديد الرقابة على المراكز والأسواق التجارية لضبط الأسعار ومحاسبة المخالفين للحد من استمرار ارتفاع أسعار الكثير من المواد الغذائية والسلع الأخرى.
على سبيل المثال، ليس من المقبول أن ترتفع أسعار حليب الأطفال إلى 35 في المائة مقارنة بأسعار قبل أسابيع وتفاوت نسب الارتفاع بشكل كبير بين منطقة وأخرى. العاملون في الصيدليات وشركات التوزيع يلومون الشركات المنتجة بينما يعلل البعض الآخر الأسباب لغياب الرقابة على الأسواق. أسعار اللحوم ليست أفضل حالاً، حيث قفز سعر الكيلو من لحم الغنم إلى 45 ريالا مقابل 32 ريالا تقريبًا قبل عام.
شد انتباهي قرار وزير التجارة والصناعة الأخير بتحديد سعر بيع كيس الأسمنت رغم إجماع الكثيرين على أن القرار لم يدخل حيز التنفيذ الفعلي حتى اللحظة. على كل حال، مازلنا نترقب إحداث 500 وظيفة رقابية في وزارة التجارة كما جاء في القرار الملكي. أما جمعية حماية المستهلك التي صدر قرار مجلس الوزراء بإنشائها عام 2008 والمفترض أن تقوم بحماية المستهلك، فهي لا تبدو مهتمة كثيراً، خاصة بعد تأكيد رئيسها أخيرا أن ''الجمعية لا علاقة لها نظاميا بضبط الأسعار لكن دورها توعوي''.
أصبح من الواضح أن معدلات التضخم الحالية مرتفعة ومقلقة ولا تتناسب مع معظم المؤشرات الاقتصادية العالمية التي تشهد بعض التحسن ومزيداً من الاستقرار. البعض يتوقع أن ينخفض معدل التضخم إلى ما دون 5 في المائة قبل نهاية العام الجاري، وأتمنى أن يكون هذا صحيحاً. البعض الآخر يعتقد أن معدل التضخم سيستمر في الارتفاع، وخاصة السكن وتوابعه وارتفاع أسعار مواد البناء والأسمنت رغم الركود النسبي الذي تشهده السوق العقارية في المملكة. الزيادة في الرواتب طبعاً جاءت في وقتها، لكنها كما قال الشاعر:
ماعاد نبغـى فـي الرواتـب زيـاده
اللي نبيه اليوم تخفيـض الأسعـار
خامساً: سعودة الوظائف. موافقة مجلس الشورى الأسبوع الماضي على توصية ''إلزام الشركات الأجنبية العاملة في المملكة أو الشركات المختلطة بتدريب وتوظيف السعوديين وبشكل متزايد على أساس زيادة سنوية على الأقل 5 في المائة من عمالتها'' جاءت متأخرة 18 عاماً. فقد أصدر مجلس الوزراء قرار رقم 50 وتاريخ 21/4/1415هـ (المادة الثانية) على ''إلزام كل منشأة تستخدم 20 شخصا فأكثر بزيادة العمالة السعودية لديها بما لا يقل عن 5 في المائة من مجموع عمالتها سنويا''.
شدني تصريح للدكتور عبد الله دحلان في منتدى جدة الاقتصادي أن ''82 في المائة من خريجي مدارسنا وجامعاتنا تخصصاتهم نظرية ولا تحتاج إليهم سوق العمل''. هذه إحصائية صادمة، خاصة أن بين جنبينا ثمانية ملايين وافد منهم ستة ملايين في القطاع الخاص تبلغ حوالاتهم للخارج 100 مليارريال سنوياً، إضافة إلى ارتفاع حجم الاقتصاد الخفي لدينا إلى 330 مليار ريال هذا العام، بينما نحو مليون مواطن من بني ''حافز'' يبحثون عن عمل.
علمت أن هناك توجهاً لإعادة فتح المعاهد التجارية لتدريب وتخريج شباب سعودي مؤهل وقادر على توطين الوظائف الإدارية الموجودة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة. هنا مربط الفرس؛ فهذه المنشآت يحتلها أكثر من نصف مليون وافد يساعدون على إغراق هذه المنشآت في النطاق الأحمر.
أما على صعيد الشهادات العليا فهناك ألوف الشبان والفتيات السعوديين الحاصلين على ماجستير أو دكتوراه في تخصصات مختلفة، لكن الوظائف غير متاحة لهم حالياً، رغم الإحصائية التي نشرتها وزارة الخدمة المدنية أخيرا والتي تؤكد أن جامعاتنا تضم أكثر من 10500 موظف وافد. هناك أيضاً عشرات ألوف الخريجات المتقدمات للوظائف التعليمية والمحرومات من الترشيح منذ سنوات ومنهن تخصص علوم وفيزياء. المبدأ نفسه ينطبق على مشكلة تسعة آلاف خريجة دبلوم الكلية المتوسطة ما زلن يقفن في طابور البطالة منذ 15 عاماً. لكن للأمانة، أعتقد أن توجيه وزير الصحة لجميع مديريات الشؤون الصحية بحصر وظائف التشغيل الذاتي الفنية والإخصائية والطبية والإدارية، المشغولة بغير سعوديين، تمهيدا لإحلال مواطنين عليها مبادرة إيجابية إذا ما طبقت على أرض الواقع وبوظائف رسمية وليس بعقود مؤقتة.
ربما لا يكون اقتصاد المملكة العربية السعودية قد تأثر كثيراً بأزمة الديون الأوروبية واضطرابات الاقتصاد العالمي، لكن هذا لا يعني أن نتهاون في بذل مجهود أكبر للمحافظة على مكتسباتنا الاقتصادية. لا أؤيد من يحاول إقناعنا أن اقتصادنا سيكون متميزاً رغم وجود بعض المؤثرات الخارجية، علينا أن نعترف بأن الاقتصاد السعودي يتفاعل مع اقتصادات العالم، وأننا سنواجه تحديات عدة خلال الأعوام القليلة القادمة تزامناً مع المتغيرات العالمية وتسريع عجلة أهدافنا التنموية. من هذا المنطلق، لا يوجد أي مبرر لعدم تفعيل هذه الأوامر الملكية، خاصة في ظروفنا الحالية وفي زمن يبلغ دخلنا من النفط أكثر من ثلاثة مليارات ريال يومياً. إذا أردنا تحقيق طموحات الملك عبد الله التنموية فعلى جميع المسؤولين – خاصة المخضرمين – التعاون والتكافل من أجل وطن أكثر تطوراً ونموا.
ختاماً، أقترح تشكيل لجنة مستقلة تتبع لرئيس مجلس الوزراء مباشرة لمتابعة تنفيذ القرارات الملكية وتقديم تقارير دورية عن مدى تفعيل هذه القرارات على أرض الواقع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي