قوة عدونا في التحريش بيننا

أتعجب كثيرا لتظاهرة خرجت في لندن، تطالب بوضع الحرمين الشريفين تحت إشراف الأمم المتحدة! رُفعت خلال هذه المظاهرة الصغيرة جدا، لافتات تطالب بما سموه تحرير الحرمين من (الاحتلال الوهابي) ــ كما يدعون ــ كما وضعوا في بعض اللافتات صورا تتضمن شتما لقيادة هذا البلد ومفتي عام المملكة العربية السعودية، ويقود هذه التظاهرات حفنة من الفرس المعممين وبعض أذنابهم الذين يدعون كذباً حبهم لآل البيت الأطهار.
قد تبدو مطالبة عجيبة ممن يدّعون الإسلام بأن تتولى الأمم المتحدة أمور الحرمين الشريفين. هل سمعتم أن أحد المسيحيين طالب بتحويل الإشراف على الفاتيكان إلى أي جهة غير مسيحية أو حتى غير كاثوليكية؟! لم يطلب هؤلاء من منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي الجهة التي يعني المنتسبون إليها أمر مقدسات المسلمين. لم يطلبوا أن يبدي أعضاؤها رأيهم في أمر الإشراف على الحرمين، فهم يعرفون تماماً أن دولها تشكر وتؤيد تكليف السعودية بخدمة الحرمين الشريفين وحمايته من أي مخرب، وكيف جعلتهما كما قال تعالى: ''أو لم يروا أنّا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون''.
أصحاب هذه المظاهرات لم ينددوا بمجازر النظام السوري الطائفي ضد غالبية شعبه، لكنهم - مع الأسف - هم من يقوم بدعمه، وما هذه المظاهرات إلا ردة فعل للتخفيف على النظام الطائفي، بسبب الموقف العربي والإنساني والتاريخي الذي قادته السعودية لنصرة الشعب السوري بعد أن تخلت عنه أغلبية دول العالم.
هنالك وقفات لا بد منها، وهي أن الفرس ومن تبعهم من بعض عملائهم العرب، من أصحاب عقيدة ولاية الفقيه، لديهم أجندة مبرمجة لمحاربة الرموز، التي كان لها دور في القضاء على دولة الفرس المجوسية. فما لعنهم لأبي بكر وعمر ــ رضي الله عنهما ــ سواء في أمهات كتبهم أو خطب بعضهم في وقتنا الحاضر، والنيل من شرف أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ إلا مظهر من مظاهر هذه الأجندة الخبيثة. كما تجاوز سبهم لكبار الصحابة، إلى تشكيكهم برواة الحديث النبوي الشريف، مثل أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ وسب وتكفير التابعين مثل ابن تيمية وابن القيم والأئمة الأربعة، لأنهم فضحوا حقيقة فكرهم الضال.
الحملة ضد السعودية ومنهجها الصحيح، يراد بها الاستيلاء على الحرمين وتحويلهما إلى معابد للشرك والقبور، وتفكيك الصف الإسلامي، ومحاربة الإسلام الصحيح البعيد عن الخرافة، الذي حرر الناس من الوثنية، وجعل لهم حرية التفكير بل وحرم مصادرة الفكر وتوجيه العبادة لغير الله!! فمن سماحة هذا الدين أن فسح المجال للكثير من الاجتهادات الفقهية التي جعل الله فيها تيسيراً ورحمة للعباد، ومثلما نهى ديننا عن مصادرة الفكر، وحرم الاقتتال بين المسلمين، واضطهاد الأقليات الدينية، حيث لم تحصل الأقليات في تاريخ العالم على حرية في العبادة والعيش مثلما وجدوها في ظل الحكم الإسلامي، وهو ما نرى من استمرار وجود هذه الأقليات في معظم الدول العربية، عكس ما تقوم عليه عقيدة الصفوية الفارسية، القائمة على نفي الآخرين وإقصائهم.
التاريخ شاهد. ماذا فعل الملالي عندما تولوا حكم إيران؟! صادروا ثورة الشعب الإيراني وحرموا غالبيته من أبسط الحقوق، فاضطهدت كل الأقليات العرقية والدينية، ووضعوا المشانق للقضاء على المعارضين بنزعة عنصرية متوحشة. وحين وقع الاحتلال الأمريكي الإيراني المزدوج للعراق، نشر الصفويون الفرس من أصحاب العمائم، الذين اخترقوا العراق العربي، وبدعم وتخطيط من الحكومة الإيرانية، وتواطؤ أمريكي، كل أشكال الترسبات العقدية والفكرية الطائفية القبيحة، وكل أنواع الحقد والكراهية، ما حول العراق الذي عرف بتسامحه وتنوعه العرقي والديني، إلى دولة يقتل فيها الإنسان على الهوية، حتى كثر فيه الهرج والمرج، وتحول إلى محمية إيرانية، صودرت فيها حريات الناس، واستحوذ على ثروات أغنى بلد بترولي، لمصلحة عدو تاريخي.
خلاصة القول أن الفرس ومن سار على نهجهم، لديهم خطط مبرمجة لتشويه سمعة الرموز العربية والإسلامية، وهم من يستفيد من التصنيفات وإثارة الفرقة بيننا لمد نفوذهم وسيطرتهم. فعلينا أن نجتنب التصنيفات الفكرية فيما بيننا، فكل مذهب فقهي فيه الخير ولا يخلو من اجتهادات في القول والعمل، ولكن ينبغي ألا نُؤتى من ذلك الجانب، ونترك عدونا الحقيقي يرتع ويلعب، بل وقد يستميل بعضنا ويوجج الخلاف بيننا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي