الإدارة بالنطنطة
في غياب الفهم والبناء المؤسسي لأي عمل أو مؤسسة حكومية أو خاصة تبرز ثقافات إدارية غير طبيعية بحيث تجد كل من هو محيط برئيس الجهاز أو المؤسسة صاحب قرار ورأي وتوجيه، وبناء عليه تجد كل يوم لهذه المؤسسة توجها ورأيا وقيادة، وفي زحمة هذه الفوضى غير الخلاقة، التي سميتها إدارة أو ثقافة النطنطة، تقتل كل الإبداعات والعطاءات واستدامة العمل وبناؤه البناء المؤسسي.
إدارة أو ثقافة النطنطة تعني أن كل شخص يستطيع أن يخلق علاقة مع مدير الإدارة أو رئيس الجهاز يعطيه ذلك الحق في إدارة دفة الفكر والعمل والإدارة، وتفقد بناء عليه الإدارة أو الجهاز القدرة على معرفة اتجاهها، وهذا يفقد المتعاملين معها معرفة سياستها واتجاهاتها، وكل من سمح له حاجب المدير بالدخول خرج بتوجيه يعمل به وحده دون علم الإدارة والمؤسسة، وهذا ما يؤدي إلى خلق الاتجاهات المتعاكسة ويربك العمل والعاملين والمتعاملين مع الجهاز أو المؤسسة.
لقد تحدثت وكتبت كثيراً عن أنواع الإدارات أو المدارس أو الثقافات الإدارية التي لم يسبق لعلماء الإدارة والمتعاملين فيها أو معها ذكرها مثل: الإدارة بين نظريتي كوكو والبعير، والفأر ونظريته الإدارية، والإدارة ونظام تكفى، والإدارة بالبرقيات، والإدارة بالتسلق والتملق، والعمل والإدارة بالتخبط، والإدارة بالتهريج، والعمل ومدور بعير عمه.
هذه المدارس التي نعايشها في حياتنا اليومية هي التي أوجدت عدم القدرة على تحقيق البناء المؤسسي السليم الذي يحقق التنمية المستدامة التي يرجوها ويأملها خادم الحرمين الشريفين ورجاله المخلصون، ولعل المتعامل مع مختلف المؤسسات والأجهزة الحكومية والخاصة والأكاديمية والإعلامية حتى مؤسسات المجتمع المدني يلاحظها ويلاحظ كيف أن إدارة أو ثقافة النطنطة هي من الثقافات أو المدارس الإدارية التي تحتل جزءا وحيزا كبيرا من أسلوب العمل في مختلف قطاعات الدولة الخمسة وغيرها ضمن علاقاتنا العملية والأسرية والاجتماعية.
إن وجود شخصيات وأهواء وآراء وغياب الاحترام للعمل المؤسسي يساعدان ويعززان زيادة وانتشار أصحاب وداعمي ثقافة أو مدرسة النطنطة، لأن مثل هذه النطنطة تحقق لهم كثيرا من الإنجازات الشخصية غير المستدامة للعمل، لأن من أهم أهداف هؤلاء الأشخاص تحقيق مصالحهم الشخصية المشروعة وغير المشروعة دون النظر للأثر السلبي الذي يحدثونه نتيجة نطنطتهم الإدارية.
كما أن ثقافة النطنطة التي تحمل أو تحاول أن تحمل معها المعلومات المخلوطة والمغلوطة التي تصور للمستمع لها حقيقتها حتى تدفعه بحسن نية إلى نقلها عنهم وهي معلومات تعزز مكانتهم النطنطية، وهذه المعلومات هي ما أسميها ثقافة الإبهار بحيث يجعلوا من الشخص المقابل ينبهر بالمعلومات التي ينقلونها، وهذا الانبهار يطغى على الحقيقة التي يجب أن يقف عليها، وعندما يطغى الانبهار على الحقيقة يؤدي ذلك إلى التشويش على الحقيقة وهو ما يقود إلى الضبابية وغياب الشفافية.
إن الضبابية الإدارية وانتقال العمل من جهد وعمل الجماعة أو الفريق الواحد إلى جهد وعمل فرد واحد هو من يقرر ويعدل ويبدل ويأمر وينهى، يؤدي إلى الفساد بكل أنواعه وأشكاله، لأن الشخص المنفرد بكل ذلك لا يجد من يوضح له أو ينبهه إلى نقاط الخلل أو الضعف أو الفساد في العمل المقدم، ويصبح تعامل الجميع معه وفقا لنظرية أو مدرسة مدور بعير عمه ''إن لقاه غنى وأن ما لقاه غنى''، بمعنى يصبح العاملون ضمن هذه المؤسسة غير مبالين أو مهتمين بشؤونها ومصالحها وسمعتها، وهو ما يؤدي إلى ضعف العطاء والانتماء والولاء ويقضي على كل سبل التطوير.
إن الاهتمام بالعمل المؤسسي الجماعي السليم سواء ضمن المؤسسات الحكومية أو الخاصة أو غيرها من قطاعات الدولة، هو ما يعزز الانتماء ويطور العطاء ويزيد من فاعلية العمل ويقوي ويدعم جهود الجميع من أجل الجميع، وأي عمل لا يعتمد على العمل المؤسسي المنضبط عمل مآله إلى الفشل والانهيار، ولهذا فإن واجبنا جميعاً، لحماية مكتسبات الوطن بشكل عام وحماية حقوقنا بشكل خاص، أن نعمل بروح الفريق الواحد القادر بعد توفيق الله - سبحانه وتعالى - على تحقيق كل ما نطمح إليه من تنمية متوازنة شاملة ومستدامة يشمل خيرها كل مواطن حيث ما كان وأينما كان.
وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
وقفة تأمل
''إذا جاريت في خلق دنيئاً
فأنت ومن تجاريه سواء
رأيت الحر يجتنب المخازي
ويحميه عن الغدر الوفاء
لقد جربت هذا الدهر حتى
أفادتني التجارب والعناء
إذا ما رأس أهل البيت ولى
بدا لهم من الناس الجفاء''