وماذا عن اقتصاد المستقبل؟
اقتصادنا يعتمد على مصدر دخل رئيس واحد، هو النفط، نعتمد على إنتاجه وتصديره وتصنيعه. الصناعة النفطية هي أكبر وأهم صناعاتنا. النفط خاما كان أو مكررا أو مصنعا يعتبر أهم مصادر دخلنا، إن لم يكن الوحيد. جميع ركائز قطاعاتنا وزوايا وهوامش اقتصادياتنا وتجارتنا ومؤسساتنا تعتمد مباشرة أو غير مباشرة عليه.
هذه الثروة التي صاحبتنا منذ ثلاثينيات القرن الماضي، كانت مفتاح خير وبركة، اكتشافها تزامن مع توحيد المملكة على يد المؤسس التاريخي عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، رحمه الله، ومنذ ذلك الوقت ونحن ننتج من النفط ما يعتمد عليه جزء كبير من دول العالم، ونُعتبر أكبر منتج وأكبر مصدر في العالم. ولا نزال نتمتع بأكبر احتياطي قابل للزيادة. ونتمتع باحترام وتقدير عالمي.. لعقلانيتنا تجاه إدارة هذا المصدر.
علمياً.. بل بديهياً، هذا المصدر الثمين قابل للنضوب، كلما زاد إنتاجه كلما زادت تكلفته وقرب نضوبه، حتى ولو بعد حين، وبعد عقود عديدة؟ هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان.. السؤال هل قمنا بالإعداد والاستعداد للبحث عن بديل أو بدائل لأجيالنا المقبلة؟
إن المملكة محظوظة بنفطها الذي احتضنته تجاويف أراضينا منذ القرون السالفة، ولولاه.. لكُنّا هذه الأيام أكثر دول العالم مجاعة وجوعاً وجدباً، النفط غطى على العيوب والنواقص وتعاسة المناخ، تصورونا في هذه الأيام دون نفط!!
جيل القرن الماضي الذي واكب اكتشاف النفط، وجيل هذا القرن الذي تمتع به.. ألا يمكن اتهامهما بالاستنزاف، لقد أدمنا استنزاف هذه الثروة الناضبة، دون التفكير فيما ستؤول إليه الأجيال المقبلة؟ يا ترى هل نحن جشعون إلى هذه الدرجة؟.. نعم. يا ترى ماذا سيحدث لجيل وأجيال 2100، وما بعد.. عندما يكون سكان العالم ضعف تعداده اليوم، والصراع على البقاء وعلى الرغيف والمجاعات والتصحر واقع.. نعم ماذا سنترك للأجيال المقبلة.. أعني أحفاد الأحفاد. إن لم نفعل شيئا فسيلوموننا وسيحملوننا كامل المسؤولية.
لا بد من تعويض الأجيال المقبلة والبحث عن بدائل. لا أعتقد أن البدائل بعيدة المنال، كل ما علينا القيام به هو إيجاد مراكز أبحاث عديدة في جامعاتنا. تركز أبحاثها عن بدائل اقتصاديه متنوعة للمستقبل كل حسب تخصصه، مثلا: كيف يمكننا تطوير الحج والعمرة إلى دخل قومي؟ كيف يمكننا تطوير السياحة لتكون مصدر نمو ودخل للدولة.. هذا ما نحن بصدده حالياً، وماذا عن الصناعات التي يجب أن تُطور لنعتمد عليها مستقبلا، ما إمكانات التعدين والمصادر الأخرى المشابهة، كيف يمكننا تحويل مياه الصرف الصحي إلى مياه من الممكن إدخالها في الشبكة، وآلاف الأفكار الأخرى. قد تكون بعض الأفكار خيالية.. ولكن أليس ما نتمتع به اليوم من مخترعات كان خيالا.. من تلفاز، وجوال والطائرة... إلخ؟
فوق هذا وذاك، علينا أن نوفر للأجيال المقبلة بنية أساسية وتحتية صلبة متكاملة؛ ما سيوفر على من يأتي بعدنا.. المال والجهد الكبيرين. هذا في حد ذاته يعتبر من البدائل التي ستوفر للأجيال المقبلة الكثير من المال والأعباء.. لماذا لا يكون لدينا شبكة قطارات متشعبة عبر شبه جزيرتنا ومرابعها وزواياها المتباعدة. القاطرات أكثر تحملاً وكفاءة وعمرا من غيرها من المواصلات، وأسهل صيانة وأكثر دخلاً،. لو أكملت هذه الشبكة لصارت مصدرا اقتصاديا لجيلنا والأجيال المقبلة. لو لم يقم الغربيون واليابانيون ببناء شبكاتهم خلال القرنين الماضيين مستفيدين من عوائد الاستعمار واكتشاف البترول لما تمتعوا بها كما هم اليوم. شبكات الماء والصرف الصحي لو اكتملت بمواصفات عالية باقية فستكون استثمارا كبيرا للأجيال المقبلة.
حتى الآن ليس لدينا ناقلات جوية يعتمد عليها. ناقلتنا (السعودية) تحجمت عبر العقدين الأخيرين وتضاءلت وضعفت ووهنت وترهلت. فقدت قيادتها الإقليمية لنكون أقلهم شأنا، داعين الآخرين للعمل في أجوائنا، لا شروطهم تعجبنا ولا شروطنا ترضيهم. لماذا ونحن الذين لدينا المال والسكان والأرض الواسعة وعشرات المطارات.. لماذا لا ننشئ ناقلات جديدة محلية، أو بالتعاون مع ناقلات أخرى برأس مال محلي أو خليجي أو كليهما. المال موجود. إذن ما المشكلة؟
لماذا لا نستغل مواردنا الحالية في بناء الجامعات وآلاف المدارس الجديدة الحديثة بناء وخدمات بملاحقها الرياضية والعلمية، وهذا استثمار للمستقبل، بدلاً من المدارس المستأجرة أو المبنية بمواصفات ضعيفة.
هناك صناعات كثيرة صغيرة ومتوسطة تعتمد جلها على المواد الخام المحلية. جيلنا والأجيال المقبلة في حاجة ماسة إليها. إلا أن المستثمر يعاني العقبات والروتين وتعقيدات بيروقراطية ومركزية وتمويلية مُنهكة ليصل إلى هدفه. ألم يقل البعض أن الصناعة تنهكها وزارتها، وتزتنزفها البنوك، ولا تُحمى منتجاتها. لو تغيرت هذه البيئة الطاردة لحققنا خطوات إيجابية تجاه المستقبل.