قراءة في كتاب «إيران.. تهديد أم فرصة؟»
العلاقات التركية الإيرانية ما زالت بحاجة إلى مزيد من الدراسات والبحوث لمعرفة تفاصيلها، وتقييم ماضيها وحاضرها، حتى يسهل استشراف مستقبلها. ولا شك في أن هذه الدراسات والبحوث مفيدة أيضًا للباحثين العرب والمهتمين بشأن إيران والمنطقة. ولذا، أحببت أن أخصِّص مقالي هذا الأسبوع للتعريف بكتاب صدر الشهر الماضي وانتهت طبعته الأولى خلال 12 يومًا بعد صدورها.
''إيران .. تهديد أم فرصة؟''، عنوان كتاب الصحفي بولند كينيش، رئيس تحرير صحيفة ''تودايز زمان'' التركية التي تصدر باللغة الإنجليزية، ويسلط فيه الكاتب الضوء على سير العلاقات التركية - الإيرانية التي كانت ولا تزال تتأرجح صعودًا وهبوطًا، لفهم سياسة إيران الخارجية وتحديد موقعها في خريطة التنافس الإقليمي؛ هل هي صديقة أم عدوة لتركيا؟
أصل هذا الكتاب رسالة علمية اختار الكاتب موضوعها بناء على اقتراح أستاذه أحمد داود أوغلو، وحصل بها على الدكتوراه في أيلول (سبتمبر) 2011؛ أي أنه دراسة أكاديمية مبنية على حقائق وأرقام، بعيدة عن الدعايات الأيديولوجية، وهذا ما يزيد من قيمة الكتاب الذي يقع في نحو 400 صفحة، خاصة في ظل تأزم العلاقات التركية الإيرانية بعد اندلاع الثورة في سورية.
ويتناول الكتاب العلاقات التركية الإيرانية في ثمانية فصول وهي: 1- أين تقع إيران ومن هم الإيرانيون. 2- اعتقاد الشيعة ودوره في الثورة الإيرانية في 1979. 3- العلاقات التركية - الإيرانية في عهد الخميني. 4- تركيا وسياسة إيران الخارجية في عهد رفسنجاني. 5- تغير إيران في عهد خاتمي وعلاقاتها مع تركيا. 6- عهد أحمدي نجاد وتطرف إيران من جديد. 7- إيران والمشكلة الكردية. 8- تركيا وتطلع إيران إلى أن تكون قوة نووية.
السمة البارزة التي يمكن وصف العلاقات التركية - الإيرانية بها منذ عهد العثمانيين والصفويين، هي المنافسة الدائمة، ويستشهد الكاتب على ذلك بمقولة المؤرخ الروسي فلاديمير مينورسكي: ''إن السمة البارزة لتاريخ إيران هي الصراعات المستمرة بين الأتراك والفرس، وهذان مثل الماء والزيت لم يختلطا أبدًا''. وفي هذا الإطار، يستذكر كينيش تحالف الصفويين مع الدول الغربية ومؤامراتهم على الدولة العثمانية والحروب التي وقعت بين الدولتين.
ويفضل كينيش تسمية ثورة 1979 ''الثورة الإيرانية'' بدلاً من ''الثورة الإسلامية''، ويرى أنها ثورة قومية وليست إسلامية، ويستدل على ذلك بتبني طهران البراغماتية في سياستها الخارجية رغم رفعها شعار الإسلامية، ووقوفها إلى جانب أرمينيا في الصراع الأذربيجاني الأرميني، مع أن معظم سكان أذربيجان من المذهب الشيعي، وإلى جانب الهند في قضية كشمير. ويقول: إن العلاقات التركية - الإيرانية استمرت بعد الثورة ولم يكن تدهورها في أي وقت بسبب التباين الديني بين نظام الملالي والنظام التركي العلماني وإنما لأسباب أخرى.
ويذهب الكاتب إلى أن التقية والكتمان والازدواجية من أسس السياسة الخارجية الإيرانية، وبينما كانت الدعاية الإيرانية قائمة على ترويج محاربة ''الشيطان الأكبر'' كانت اللقاءات والاتفاقيات مع الأمريكان مستمرة خلف الأبواب المغلقة بعد الثورة، وكانت طهران تشتري أسلحة من إسرائيل بالتزامن مع رفعها شعار ''الطريق إلى القدس يمر من بغداد''.
لا يكتفي كينيش في كتابه بسرد الخلافات والصراعات والتنافس بين تركيا وإيران فحسب، بل يشير أيضًا بكل الموضوعية إلى التعاون بين البلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والسياحية وغيرها، إضافة إلى محاربة الإرهاب، ومكافحة المخدرات، ومساعي الوصول للحل السلمي في أزمة برنامج إيران النووي.
وفي موقف تركيا من برنامج إيران النووي، يؤكد كينيش أن تركيا تخشى من تصعيد التوتر حول الملف النووي الإيراني وانعكاسات ذلك على تركيا، ومن ثَمَّ تحث على الحل السلمي للأزمة حفاظًا على مصالحها، ويقول: إن أنقرة عندما تتحدث عن حق إيران في استخدام التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية فإنها تدافع في الحقيقة عن حق تركيا في استخدام هذه التكنولوجيا، ولكنها ترفض بشدة امتلاك إيران أسلحة نووية.
المشكلة الكردية من أهم مجالات التعاون والتنافس في العلاقات التركية - الإيرانية، والتعاون بين البلدين في محاربة حزب العمال الكردستاني شهد صعودًا وهبوطًا كصعود العلاقات الثنائية وهبوطها، ولذا أفرد الكاتب لها فصلاً كاملاً. ويلفت كينيش إلى أن أنقرة لم تفكر على الإطلاق في استخدام ورقة الأذربيجانيين ضد طهران لاعتقادها أن تقسيم إيران من شأنه أن يؤدي إلى إقامة دولة كردية، ولكن إيران لعبت بورقة حزب العمال الكردستاني، ووفَّرت له دعمًا لوجستيًّا. وأما حزب الحياة الحرة لكردستان المعروف بـ''بيجاك'' فيرى الكاتب أن حزب العمال الكردستاني قام بتصفيته بالتنسيق مع إيران، بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، ليركز أنشطته على تركيا ويقترب من المحور الإيراني - السوري ويستغل الظروف الإقليمية الجديدة.
وهناك جانب آخر للعلاقات بين البلدين لم يتطرق إليه الكتاب كما ينبغي، وهو التغلغل الإيراني في الأوساط الإسلامية وعلاقات طهران مع بعض الجماعات والمنظمات الناشطة في تركيا، كتنظيم حزب الله التركي. وهذا ما يعيب الكتاب؛ لأن دراسة هذا الموضوع وأبعاده بشكل معمَّق ضرورية لفهم حقيقة العلاقات التركية - الإيرانية.
حزب الله التركي الذي ينشط غالبًا بين الأكراد في جنوب شرق تركيا يتلقى دعمًا مباشرًا من طهران، ويعيش كبار قادته حاليًا في إيران، ولا يخفى على أي متابع جهود النظام الإيراني لتوسيع نفوذه بين الإسلاميين في المناطق الكردية، من خلال أنشطة حزب الله التركي، الذي يستغل أجواء الحرية والديمقراطية، مما يشكل خطرًا على أمن تركيا واستقرارها. وفي تطور مشبوه، أعلن المحامي الكردي ''صدقي زيلان''، محامي عناصر حزب الله التركي، قبل أيام في مدينة ديار بكر، أنهم على وشك الانتهاء من الاستعداد لتأسيس حزب إسلامي كردي، لينافس حزب العدالة والتنمية الحاكم في المحافظات ذات الأغلبية الكردية، الأمر الذي فسَّره بعض المراقبين بأنه تحريض إيراني آخر ضد الحكومة التركية ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.
النتيجة التي يصل إليها القارئ في ختام قراءة الكتاب أن العلاقات التركية - الإيرانية سوف تستمر في تأرجحها صعودًا وهبوطًا، وأن إيران تشكل تهديدًا أو فرصة لتركيا وفقًا للظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية وتقاطع المصالح وتضاربها.