المملكة والجمهورية الثانية في مصر.. علاقة استراتيجية
في باريس وبعد نهاية الحرب العالمية قام أحد القيادات الوطنية السورية بحوار حاد مع أحد الصهاينة حول خطورة تأسيس إسرائيل في الرحم العربي، حيث لم يكن يتصور أن تقوم تلك الدولة العبرية في أرض إسلامية مقدسة، فرد عليه ذلك الصهيوني بأننا سننشئها وستحميها الخلافات العربية.
أردت بتلك المقدمة فقط، التذكير بأن قوة أعدائنا تكمن في وجود الخلافات فيما بين الدول العربية، لذا، وفي خضم ما حصل من زوبعة في العلاقات السعودية - المصرية، علينا أن نتذكر أن هناك أهمية تاريخية لهاتين الدولتين، فهما تمثلان قطبين مهمين لقوة الأمة العربية، واستمرار العلاقة بينهما هو صمام الأمان للوطن العربي، خصوصاً أن العراق وسورية قد انتزعا من جسد هذه الأمة. من هنا، كم كان محزنا أن يتدخل الرويبضة الصفوي، سفير إيران في مصر، ليوقع بين البلدين الشقيقين، وهي سياسة هذه الدولة التي تنمو ببذر الخلاف والشقاق بين المتحابين. صرح السفير الإيراني بخبث فقال: إن الشعب المصري لا يتم تهديده والضغط عليه بسحب السفراء، ملمحا للأزمة العابرة بين البلدين.
فيما يخص الأزمة، يجب الإشارة إلى أنها ما كانت لتتفاقم لولا تباطؤ وتلكؤ المجلس العسكري في حماية السفارة السعودية وأفراد السلك الدبلوماسي، فهل لو كان المستهدف السفارة الأمريكية، هل كان المجلس العسكري سيتأخر في حمايتها؟ أنا لا أريد أن أضع اتهاما مباشرا على المجلس العسكري، لكن تأخره شجع الغوغاء، لذا كنت أتمنى أن تكون هناك رسالة سياسية سعودية عاجلة تُحمل المجلس العسكري المسؤولية المستقبلية في ظل مثل تلك الظروف.
لقد تم تجاوز الأزمة - بحمد لله - بحكمة الطرفين، ورد الله كيد الأعداء في نحورهم، بما فيهم دولة الشر الإيراني. لقد كان الوفد المصري ممثلا في كل أطياف المشهد السياسي المصري للحالة المصرية بعد الثورة، وهذا يبين أن مصر ما بعد الثورة كلها تقدر المملكة ودورها الجوهري، وهذا خلاف موقف المجلس العسكري، الذي تغاضى عن الأخطار المحدقة بالسفارة من جمهور منفعل، اندس فيه كثير من المغرضين وأصحاب الأغراض المشبوهة. المجلس العسكري في واقع الأمر ليس إلا امتدادا للنظام السابق، لذلك سيكون مهما أن تكون علاقتنا المستقبلية مع مصر ترتبط مع اختيار الشعب المصري، وهم الوفد الذي جاء للمملكة. كم كانت مثلجة للصدر كلمات خادم الحرمين الصادقة والمعبرة عن بُعد النظر، وأن الأزمات ما هي إلا زوابع مارة وعلينا النظر لما هو آت. فعمدت المملكة إلى إعادة السفير وفتح السفارة، والتأكيد على أن حزمة المساعدات لمصر التي تبلغ أربعة مليارات دولار باقية كما وعدت المملكة.
كلمة أخيرة قد نستنتجها من الضجة الصحفية والإعلامية من قِبَل إعلاميين بعضهم يعمل في إمبراطوريات القنوات السعودية، أن عليهم مسؤولية كبيرة فيما حصل من تأجيج الرأي العام. لا أدري هل هو من نوع السبق الصحفي أم أنه ليس لديهم مهنية صحفية ورسالة مهمتها توحيد الأمة العربية، التي من أهم عناصرها العلاقات المتينة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية؟