خطوات عملية لحل مشكلة الإسكان في السعودية

في مقال العدد السابق من ''الاقتصادية'' الغراء، التقت الشجون مع الشجون، وازدحمت على السطور العيون، كيف لا والموضوع هو الإسكان، منتهى آمال الإنسان، وذخيرة الزمان، والملجأ الآمن إذا تخلى الأهل والإخوان. وهذا كان في مقال صحافي واحد، فكيف إذن بالواقع؟ وكيف تكون يا تُرى الحقائق؟
وحيث تفاعل القراء بشكل لافت مع ''مشكلات السكن في المملكة لا تُحل بالعصا السحرية'' الذي نشر في ''الاقتصادية'' بتاريخ 7/6/2012، فقد شد ذلك من عضدي لأكمل ما بدأت، ويكون مقالي هذا تقديم حلول عملية للموضوع، فالحلول تأتي دوماً من رحم المعاناة، والبناء لا يكتمل بالأمنيات، وهذا موضع الجد والتشمير عن ساعد المثابرة، وهو مجال رحب للكرام، لا يقف على جهد واحد، والكل فيه صف واحد يخدمون مملكتهم وأبناء وطنهم الحر العزيز.
إن دخل المواطن - كما قلنا - لا يتناسب مع أسعار العقار في المملكة، وقد يصبح تملك وحدة سكنية بمثابة حلم له، ومن أسباب المشكلة أيضاً، أن العقار أصبح هو القناة الاستثمارية الوحيدة في المملكة، ولا يوجد فيه أي تعقيدات حكومية، بمعنى أن هناك سهولة في دخول هذه السوق، يدعمها عدم وجود أي نوع من الضرائب المفروضة على الاحتفاظ بالأراضي البيضاء، حيث أسهمت هذه الفكرة بقوة في ترسيخ اليقين لدى عامة الناس من أن العقار لا يمكن أن يخسر مهما طال الزمن.
وبما أنه لا يمكن إيجاد حل واحد لجميع شرائح المجتمع، فهذا يعني أننا نحتاج حزمة حلول بدلا من حل واحد ''سحري'' على طريقة ''سندريلا''، فالقطاع الخاص - وهو أضعف فئات المجتمع للأسف - ومع غياب النقابات فإن المكان الوحيد الذي يجمع موظفيه هو مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وحسب تصريح عبد العزيز الهبدان مساعد محافظ التأمينات الاجتماعية الذي قال فيه: ''إن عدد المسجلين السعوديين في التأمينات من فئة الذين تقل رواتبهم عن ثلاثة آلاف ريال يشكلون 58 في المائة، ولو افترضنا أن مواطناً راتبه الشهري يبلغ حالياً ثلاثة آلاف ريال وعمره 23 سنة، ويحصل على زيادة سنوية مقدارها 10 في المائة كل سنة - وهذا هو الحد الأقصى للزيادات في القطاع الخاص ونادراً ما يحدث - فإنه بعد خدمة 25 سنة سيكون راتب هذا الموظف المواطن هو 10.971 ريال تقريباً وهو في عمر نحو 47 سنة، ففي أي معادلة رياضية يمكن أن يمتلك منزلاً بهذا الوضع؟ وإذا استمرت الحال على ما هي عليه الآن، فستتفاقم الأزمة، وتتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه اجتماعياً، أي باختصار ''أزمة انفجار سكاني''.
ويكمن الحل في أن يحدث إغراق للسوق بعدد من الوحدات السكنية، لكن كيف؟
أولاً: فيما يخص مؤسسة التأمينات، نسمع كل فترة أنها قامت ببناء أبراج تجارية الهدف منها استثمار أموال المساهمين، وهم موظفو القطاع الخاص، نحن نريد من المؤسسة العامة أن تقوم ببناء وحدات سكنية لموظفي القطاع الخاص، هذه الوحدات تكفي لعائلة مكونة من 2 إلى 4 أشخاص، والعمر الافتراضي لتكوين عائلة مكونة من أربعة أشخاص يراوح بين 5-7 سنوات، حيث تستطيع هذه العائلة تملك الوحدة السكنية خلال عشر سنوات، حيث تراوح قيمة الوحدة السكنية بين 250 ألفا إلى 300 ألف ريال، مع وعد بالشراء بعد 12 سنة بنفس قيمة اليوم وهي ما بين 250 ألفا و300 ألف ريال، ففي هذه الحال سيتمكن المواطن الذي يبلغ دخله ثلاثة آلاف ريال فأقل من تملك وحدة سكنية خلال 10-15 سنة خدمة، وتستطيع التأمينات أن تخصم هذا المبلغ من راتبه مباشرة كما تخصم 9 في المائة من راتبه، وفي هذه الحال لا يكون هناك تعثر في السداد بل سيكون هناك مخزون من الوحدات وتدوير مستمر لها، وتقوم بإنشاء وحدات سكنية أخرى بقيمة 500 - 700 ألف لشريحة أخرى من المجتمع، ومن الضروري جداً أن يكون هذا السعر الذي يدفعه المواطن للتملك، حيث لا يضطر بعدها للذهاب إلى المصارف لأن المطاف سينتهي به إلى دفع ضعف قيمة الوحدة التي اشتراها.
شريحة أخرى من المجتمع وهي الأرامل والمطلقات اللائي لا يوجد لهن معيل، هذه الشريحة من مسؤولية تجار العقار من أصحاب الأراضي البيضاء الذين ''يتعين'' أن يفرض عليهم في كل مخطط يقومون بإنشائه توفير مجمع تجاري صغير لخدمة هذا المخطط، تتوافر فيه أسواق غذائية، وخدمات أخرى يحتاجها المخطط، ويكون هذا المجمع وقفا يعود ريعه إلى المطلقات والأرامل لبناء وحدات سكنية لهن، وهذه أرقى معايير التكافل في مجتمع يتعين أن يكون قدوة لبقية المجتمعات الأخرى، لكن يا للأسف، فإن مجتمعنا يحتاج من يذكره بهذه الخصيصة المهمة التي يقوم عمادها على قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم: ''ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء''، حتى بات واجباً إشاعة هذه الصفة الحميدة ولو بقوة القانون.
أما دور المصارف في حل مشكلة الإسكان، فيجب أن تكون بحجم أرباحها، وأعتقد أن من حق المواطنين على المصارف أن تقدم لهم تسهيلات بنسب منخفضة ولو في حدود 1 في المائة أو أقل في السنة، ولمرة واحدة في العمر لقرض سكني أو عقاري.
مع هذا، الحلول كثيرة، ولكن نحتاج إلى تنسيق، والتنسيق لن يكون إلا بهيئة عامة للعقار، فهل من مجيب؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي