شبابنا إلى أين .. ثقافيًّا؟
من خلال المقابلات الشخصية لخريجي الثانوية العامة من المتقدمين للكليات الصحية، يمكن تقييم المستوى الثقافي والفكري لشباب المستقبل. من واقع المواد التي درسها الطالب خلال انتظامه في مدارس التعليم العام، نفترض أن لديه الحد الأدنى من المعلومات المقبولة في التاريخ والأدب والجغرافيا.. والثقافة بشكل عام. لكني وجدت، وغيري من الأساتذة، ظاهرة بين الطلاب لم نكن نعرفها سابقًا، ألخصها في جملة واحدة: الخواء الثقافي.
جاءني طالب متخرج في ثانوية حكومية، بمعدل فلكي (أكثر من 98 في المائة)، فسألته من الفاروق الذي سميت عليه ثانويتكم؟ تردد بعض الشيء في البداية، ثم قال، أظن أنه أحد رؤساء مصر! فقلت له، وما معنى كلمة الفاروق؟ فلم يعرف أيضًا. بعدها سألنا أنا والزملاء طلابًا آخرين، السؤال نفسه حول العلم الذي سميت عليهم مدرستهم، فوالله لم نجد جوابًا من أكثرهم، إن لم يكن جلهم. مسؤولية مَنْ هذا الجدب الثقافي؟ إنها والله مسؤولية القائمين على التعليم، من الوزير إلى المعلم.
أما بخصوص معلوماتهم عن تاريخ المملكة العربية السعودية، فكان سؤالي من هو مؤسس الدولة السعودية الأولى؟! الشيء نفسه.. أغلبيتهم لم يأتِ بالجواب الصحيح. بعضهم قال تركي وآخر قال فيصل، ومن الطرائف أن شابًّا من إحدى عائلات الدرعية المعروفة، كنت أتصور أن أهله خارج المدرسة يرضعونه تاريخ الدولة السعودية الأولى، وجدته أيضًا لا يعرف الجواب. سألنا بعض الطلاب من هو رئيس مجلس الوزراء السعودي، فوجدنا نسبة كبيرة منهم، إما لا يعرفون الجواب، وبعضهم كان جوابه: هو الأمير سعود الفيصل. أما تسمية وزيري الدفاع والداخلية فهناك جهل كبير بمعرفتهم إلا إذا كان المتقدم أبوه يعمل في الوزارة نفسها. من خلال أسئلتنا في المطالعة العامة لم نجد شابًّا قد قرأ كتابًا في حياته، والطريف أننا وجدنا بعضهم قد اقتنى كتاب ''لا تحزن''، ولكنه قرأ فيه صفحات معدودة فقط. أما اطلاعهم على الشعر العربي، ومدى حفظهم بعض الأبيات المشهورة أو معرفة أسماء الشعراء، فقد كان الوضع مخجلاً، والمستوى لا يليق بالتعليم والعملية التربوية في المملكة.
الغريب العجيب جدًّا أن أغلبية المتقدمين لديهم ثقافة عالية جدًّا في أسماء لاعبي كرة القدم في جميع الفرق الأوروبية، بل إن بعضهم قد يصلح محللاً رياضيًّا من الدرجة الأولى. هذه ثقافة لا يحق لأحد معارضتها، لكن يجب ألا تكون على حساب الجهل بتراث الوطن والأمة والمستوى الثقافي العام. لقد أحسسنا أننا أولى بكتاب من نوع: ''أمة في خطر''!
من الحلول لعلاج ظاهرة تدني مستوى الثقافة.. ما يلي:
1) أن تعنى وتحرص وزارة التربية والتعليم على بناء الثقافة العامة لدى طلابها وتأصيل الانتماء الوطني لديهم، بمعرفة تاريخ أمتهم وتاريخ بلدهم المملكة، ويجب ألا يكون مقررًا دراسيًّا يقع ضمن مادة التاريخ أو التربية الوطنية، بل ينبغي أن يكون أحد الأساسيات التي يحفظها الطالب ويفتخر بها، وفي الوقت نفسه يجب أن تكون معرفته بأحداث وأعلام الأمة من الأمور التي لا يمكن التساهل فيها.
2) حتى نؤصل الثقافة والمعرفة الموسوعية لدى شبابنا، قد يكون مناسبًا أن يهتم المركز الوطني للقياس بتطوير ذلك الجانب عن طريق وضع فقرات من الأسئلة العامة تتعلق بتاريخ المملكة وتاريخ الأمة وسيرة أعلام الصحابة والتابعين، ومشاهير الأدب والشعر العربي.
3) أخيرًا وليس آخرًا، هناك مبالغة في استخدام التقنية الإلكترونية ووسائل الإعلام الجديد لدى شبابنا، في أمور لا تصب في تطوير مهاراتهم، كما أن هناك عزوفًا تامًّا عن القراءة والكتابة. هذه قد تكون مسؤولية مشتركة بين المدرسة والمجتمع متمثلاً في أفراد الأسرة، حيث لا بد من وضع قواعد وضوابط لاستخدام تلك التقنيات وتشجيع الطلاب على القراءة والاطلاع.