البناء في القديم والحديث بين الهناء والنكد

يعد بناء المسكن أحد أهم الأحداث التي يحلم بها الأزواج وحدثاً مهماً في جميع حياة الكائنات الحية التي تعيش على هذا الكوكب الجميل، فمثلا أزواج الطيور يغمرها الهناء والبهجة وهي تعمد إلى بناء عش لها في جو احتفالي لا يكاد يوصف، وكذا بقية الكائنات حين ترغب في بناء مساكنها تكون في وضع بهيج وتعاون بناء كي تبني مع هذا المسكن سعادة وهناء لصغارها.
وكان بناء المسكن في السابق نوعا من الهناء الذي يمارسه الأفراد في إنشاء مساكنهم، ولذا نجد أن مع عملية البناء تنشد الأهازيج وهم يتناولون الطوب والمكونات الأخرى، وربما مر بهذه التجربة الهانئة كثير من جيل الآباء الذين بنوا مساكنهم باللبن الطيني، فتسمع الأهازيج في كل صباح ومساء حتى يكتمل البناء.
والعمل بهذه الصورة الهانئة من الأهازيج وغيرها يعمل عمل السحر في إزالة الجهد والتعب الذي يلاقيه الأزواج في بناء ذلك المسكن، حيث الترديد المتناغم الذي يتفاعل معه الجميع مع ترديد كل مقطع من تلك الأناشيد، وحين يكتمل البناء يحتفل الناس بانتهائه في جو من السعادة الغامرة التي تغمر الزوجين في ذلك المسكن وهو بداية موفقة تمنح الزوجين أملا في بناء أسرة متكاتفة متناغمة تعمل بالروح نفسها التي بني بها هذا المأوى لهم.
أما اليوم فبناء المسكن يمثل نوعاً من الأحلام النكدة التي تظل تشغل البال قبل الزواج وبعده، فهو يمثل حلما يلزم تحقيقه، فيسعى المرء جهده لشراء الأرض، فإن تمكن من ذلك وبدأ فيه بعد انتهاء المخططات حتى يدركه النكد في ليله ونهاره. فالعمالة التي تبني المسكن تبنيه بجو جنائزي صامت لا أهازيج ولا نشيد ولا توافق بين العمالة التي تختلف لغاتها وأجناسها، ومما يزيد الطين بلة أن هذا النكد يستغرق سنوات طويلة، إذ ليس بمقدور أحد أن ينهي ذلك النكد خلال أقل من سنة أو سنتين.
وحين يتكامل البناء يعلن كثير من البناة إفلاسهم ويعيشون فترات طويلة على البلاط أو الرخام الذي بنوه دون فرش، مما يطيل وقت النكد في بناء المنزل وتؤجل الولائم والاحتفال بانتهائه مرات عدة.
والسؤال الذي يمكن طرحه: هل سيستمر هذا النكد يلاحق الأزواج في بناء مساكنهم أم أن صندوق التنمية العقاري، مع وزارة الإسكان بمقدورهما إيقاف ذلك النكد ببناء مجمعات سكنية متكاملة توزع على الأزواج، بدل ذلك المبلغ من الصندوق الذي يجرهم إلى ساحة النكد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي