الفقر .. في ضوء بناء التخطيط الاقتصادي
من المعروف أن الفقر من الأسباب أو العناصر الرئيسة لضعف التماسك الأسري، بل أحيانا قد يكون من أقوى العناصر لانهيار الأسرة، وفي نظري ليس الفقر بطبيعته أو مفهومه يعني ضعف الدخل المادي فحسب، بل في حالات كثيرة يحدث الفقر حتى مع ارتفاع الدخل ليس لشيء سوى سوء التصرف في إعطاء تلك الأموال القنوات الاستثمارية الصحيحة التي تخدم تلك الأسرة وتعود عليها بالنفع والفائدة، فكثير من الأسر لديها دخول مادية لا بأس بها، بل قد تكون فوق المتوسط أحيانا، لكنها سرعان ما تعلن ما يشبه الإفلاس قبل الراتب الشهري ربما بعشرة أيام أو أكثر، وبالطبع يرجع السبب الرئيس لعدم امتلاك ما يعرف بحسن الإدارة المالية، حيث إن الإدارة المالية ليس من الضروري فقط أن تكون داخل الهيكلة الإدارية للشركات أو المؤسسات، بل هي أحوج ما تكون ممثلة بطريقة رمزية داخل الأسرة، فالزوج والزوجة قبل كل شيء لا بد أن يكون لديهما جزء من ذلك الجانب الإداري الذي يحافظ على الجانب المادي للأسرة ويحفظ حقوق الأبناء في المكان الصحيح. ولو سلطنا الضوء على بعض الأسر التي تعاني الفقر مع ارتفاع الدخل المادي سنجد أن جزءا كبيرا منها يستنفد أمواله في العناصر غير الرئيسة في الحياة، أي الجوانب الكمالية فقط ويترك أشياء أهم على الرغم من أننا لا بد أن ندرك أنه يجب أن نبدأ بالأهم ثم المهم، بمعنى أنه حتى على المستوى الأسري البسيط يجب أن يكون هناك تخطيط مالي دقيق للكيفية القصوى من استثمار الدخل المادي، وألا يكون إنفاق المال عشوائيا - مع الأسف - يحدث لدى الكثيرين. وتلك الفئة هي التي تفاجأ بنفاد المادة قبل انتهاء الشهر، وقد يكون هذا من الجانب الوظيفي الذي يرتبط الأمر فيه براتب شهري. لكن لو تناولنا الجوانب الأخرى غير الوظيفية مثل الإيرادات المادية أو الأرباح لرجال الأعمال سنجد أن الاستثمار المادي مطلوب أيضا، لكن أن تكون له خطة أشمل حتى يستطيع الإنسان تحقيق مفهوم الادخار المالي خوفا من الإفلاس، حيث نجد نماذج متعددة لرجال الأعمال الذين مروا بتلك التجارب المريرة وسرعان ما فقد ذلك الرجل كل ما يمتلكه لعدم تحقيق جوانب الاستثمار المالي الآمن، وكثيرة تلك الاستثمارات التي يقل فيها عنصر المغامرة، لكن هناك معادلة تقول إنه كلما زادت المغامرة المالية ارتفعت معها الأرباح، لذا فالحافز المالي الذي يقدم ليس بسيطا في تلك الحالات، لكن في كثير من الأحيان تكون الضربة القاضية، وهذا يعني أن خطة الطوارئ أمر في غاية الأهمية، أما ألا يتوقع الإنسان حدوث الحريق فهو أمر غير منطقي، وهذا يعني أن التخطيط السليم هو أساس واضح لتحقيق مفهوم الاكتفاء المالي.