هل تركيا مستعدة لمواجهة الوكلاء؟
الأحداث التي توالت في منطقة الشرق الأوسط منذ بداية الربيع العربي واندلاع الثورة السورية على وجه الخصوص، وضعت الدور التركي المتصاعد أمام اختبار صعب وجعلت قدرات تركيا التي تسعى لتكون أكبر قوة إقليمية محلا للنقاش، وسط ارتباك الحكومة التركية أمام التطورات السريعة وخيبة أمل أصابت الكثيرين من المعجبين بتجربة حزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان.
تركيا الآن وسط تحديات كبيرة تحدق بها من كل حدب وصوب، ومن تلك التحديات مواجهة منظمات إرهابية مرتزقة ووكلاء لقوى إقليمية ودولية، في حرب تهدف إلى إشغال تركيا واستنزاف قوتها في الداخل حتى لا تجد فرصة للالتفات إلى القضايا الإقليمية ولا تتدخل فيما يجري في المنطقة. وعندما ننظر إلى المشهد الإقليمي نرى أن تركيا تتلقى ضربات من الوكلاء، إضافة إلى تهديدات الدول المعادية والمنافسة لها.
صحيفة ''ديلي تليغراف'' البريطانية ذكرت الأربعاء الماضي نقلا عن المسؤولين الاستخباراتيين الغربيين، أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي أمر فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بـ ''تكثيف الهجمات الإرهابية'' ضد الغرب وحلفائه، رداً على دعمهم للمعارضة السورية من أجل إسقاط النظام السوري والإطاحة برئيسه بشّار الأسد. وهذا التهديد الخطير يستهدف تركيا مباشرة لأنها من حلفاء الغرب وأبرز الداعمين للثورة السورية.
وبغض النظر عن صحة ما نسب إلى المرشد الأعلى الإيراني، شهدت تركيا في الآونة الأخيرة تكثيف حزب العمال الكردستاني، المتحالف مع إيران والنظام السوري، هجماته الإرهابية في الأراضي التركية ودخوله في معركة شرسة مع قوات الأمن التركية خلفت حتى الآن عشرات القتلى والجرحى من كلا الطرفين. ومن آخر هجمات حزب العمال الكردستاني الدموية تفجير سيارة ملغومة الأسبوع الماضي في مدينة غازي عنتاب جنوب شرق تركيا، ما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص بينهم ثلاثة أطفال ورضيع. وتتهم أنقرة حزب العمال الكردستاني بالوقوف وراء تفجير غازي عنتاب، إلا أنها تشتبه أيضا بوجود أصابع النظامين السوري والإيراني في هذا الهجوم الإرهابي.
لم يكن حزب العمال الكردستاني الوكيل الوحيد في استهداف تركيا، بل شاركته عائلة المقداد في هذه المهمة، حيث قامت باختطاف عدد من اللاجئين السوريين ورجل أعمال تركي وهددت تركيا باعتبارها راعية الجيش السوري الحر وزعمت أن ما فعلته جاء ردا على اختطاف أحد أفراد العائلة في سورية. ولكن الجميع يعرف جيدا أن عائلة المقداد اللبنانية لا تستطيع أن تقوم بمثل هذه العمليات دون الحصول على الضوء الأخضر والدعم من حزب الله، وكيل النظام الإيراني في لبنان. وهذا يعني أن تركيا لا تواجه الوكلاء فقط في هذه الحرب، بل قد تواجه وكلاء الوكلاء كما هو الحال في لبنان.
وفي خضم هذه التطورات، جاء تهديد آخر من منظمة إرهابية أخرى نسيها الأتراك منذ زمن بعيد، حيث أعلن ''الجيش السري الأرميني لتحرير أرمينيا'' المعروف بـ ''أسالا'' في بيان أنه سيبدأ باتخاذ ''تدابير مضادة'' ضد تركيا إذا واصلت أنقرة ''سياستها التآمرية والمعادية'' لسورية، وهدد بمهاجمة تركيا في حال حدوث ''انتهاك مباشر أو غير مباشر لأمن الطائفة الأرمينية'' في سورية. وأعاد هذا الإعلان إلى أذهان الأتراك الجرائم التي ارتكبتها هذه المنظمة الإرهابية بين عامي 1973 و1985 ومقتل 41 مواطنا تركيا بينهم دبلوماسيون في هجمات استهدفت في معظمها البعثات الدبلوماسية التركية في أوروبا وأمريكا. وبرأي كثير من المراقبين لم يكن ظهور المنظمة الإرهابية الأرمينية من جديد بعد اختفاء استمر أكثر من عقدين إلا بتحريك من النظام السوري وحلفائه.
ومن المحتمل أن تواجه تركيا مع اشتداد التنافس في الشرق الأوسط وكلاء آخرين يعملون لصالح القوى الإقليمية والدولية ويستهدفون المصالح التركية في داخل تركيا أو خارجها، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما مدى استعداد تركيا لمثل هذه المواجهات وقدرتها على منع هجمات الوكلاء أو الرد عليها؟
ليس من سياسة تركيا زرع خلايا في الدول الأخرى واستخدام منظمات إرهابية أو جماعات مسلحة كوكلاء لها، وهي تفضل دائما التعامل مباشرة مع الحكومات وعبر الطرق الدبلوماسية ولكن المشكلة في الدول التي تفتقد حكومة ذات سيادة كما هو الحال في لبنان أو في المناطق الساخنة التي تشهد الصراعات ولا تخضع لأي سلطة. وهنا تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على عاتق الاستخبارات التركية ولا بد أن تكون لها يد طولى لتتحول إلى قوة رادعة تقوم بالرد على كل من سولت له نفسه وأراد المساس بأمن تركيا واستقرارها، وتدفع الوكلاء ومن يستخدمهم إلى التفكير ألف مرة قبل الإقدام على استهداف المصالح التركية. ولأجل هذا، يجب على الحكومة التركية أن تعمل على تعزيز قدرة الاستخبارات التركية على القيام بالعمليات من هذا النوع في خارج البلاد وإن احتاج ذلك إلى إعادة هيكلتها، وعدم اختزال دورها في جمع المعلومات، ويجب أيضا أن تقوم بتأسيس تحالفات وعلاقات متينة مع القوى المحلية الصديقة للتضييق على وكلاء القوى المعادية التي تستهدف المصالح التركية ولتسهيل تحركات عناصر الاستخبارات التركية في تلك المناطق.