إلى متى !؟

كلنا يذكر مأساة حريق مدارس براعم الوطن بجدة وما تحملته خواطرنا من صور ومناظر مؤلمة قدّر الله بها قبل كل شيء، وتسبب بها تهاون بعض الطالبات وضعف الرقابة من قبل المدرسة وتأخر آليات الدفاع المدني عن مباشرة الحدث. وكلنا يذكر أن الدنيا ساعتها قامت وما قعدت وتم استنفار الكوادر سواءً في إمارة المنطقة أو على مستوى وزارة التربية والتعليم أو الدفاع المدني وكل الجهات ذات العلاقة، لأن الحادثة نكأت جراحاً مازالت تنزف على استحياء إلى الآن !
وقد تم تشكيل لجان عالية المستوى لحصر مخالفات المباني ومدى تطبيقها لمعايير السلامة وشمل ذلك جميع المنشآت التعليمية والتدريبية بالمملكة ، لأن الكارثة دقت ناقوس خطر. وخلُصت التقارير إلى أرقام وبيانات رُفعت إلى الجهات المسؤولة . تم بعدها توقيع تعهدات وايقاع غرامات على بعض المنشآت التي تهاونت في توفير اشتراطات السلامة في مبانيها. المشكلة كما أراها تكمن في قصور وعي الناس بضرورة التزام المدارس والمعاهد بتطبيق الاشتراطات (التي لا يعرفونها أصلاً )؟ ويكتفي الأمهات والأهالي بكون المنشأة مرخّصة من وزارة التربية والتعليم (هذا إن كانت مرخصة!) ولا يتثبتون من ترخيص الدفاع المدني وسريان صلاحيته أو وجود طفاية الحريق وبطانية الحريق أو تدريب أولادهم على خطة الاخلاء في حال الطواريء، أو التأكد من الطاقة الاستيعابية بالمدرسة كما هو مصّرح من الدفاع المدني ؟ المهم أن يجدوا لأولادهم مقعداً دراسياً غير آبهين بحقوقهم وسلامتهم !
وبالرغم من أن شؤون إصدار تراخيص السلامة للمنشآت التعليمية والتدريبية من مهام إدارات الدفاع المدني في المناطق والمحافظات، إلا أنه منذ عام الحريق نجد أن هناك تأخراً في إصدار الشهادات للكثير من المنشآت بسبب سوء جدولة الزيارات وتكدس المواعيد وضعف الكفاءة من قبل مندوبي الدفاع المدني . فإلى متى الإزدواجية في الرأي من قبل المندوب عند زيارته للمنشأة الواحدة وإعطاء التوجيهات مثلاً (بضرورة تركيب مضخّة) ليأتي مندوب آخر موجهاً بعدم ضرورة تركيب مضخّة من الأساس !! فأين المعايير الواضحة والاشتراطات المكتوبة التي يجب أن يعلمها كل تاجر أو مستثمر ؟ لماذا جهودكم مبعثرة ومتردّية في أمر لم نعد نقبل الاستهانة به ألا وهو أرواح البشر؟! إلى متى يتأخر إصادر الشهادات وعدم ايقاع الغرامات على المنشآت المخالفة وترك الباب موارباً للفساد ! ولما تتُرك المسؤولية على عاتق المشرف الإداري أو المشرفة الإدارية لوزارة التربية والتعليم ليتأكدوا من وجود (مخارج للطوارئ مطابقة للمواصفات وتوفر شبكة إنذار مبكر ، وتركيب نظام القاطع الأرضي لالتماسات الكهربائية لمنع الصعق الكهربائي)؟ فالأجدر بالجهة المانحة للترخيص متابعة تحقق معايير السلامة في المنشأة وفق ما تحدده . فمن هو المسؤول عن متابعة تطبيق المنشآت لاشتراطات السلامة إن لم يكن رجال الدفاع المدني ! خاصةً ونحن نسمع عن إخلاءات لمدارس بسبب شرارة أو تماس كهربائي كثيراً في الفترة الأخيرة. فإن لم تمارس إدارة الدفاع المدني دورها بجدارة فكلنا وكل منشآتنا في خطر ! الدور الحقيقي يمتد وتتجاوز المسؤولية حدود الجهوزية الفورية لرد الفعل عند حدوث الحرائق إلى دور أساسي توعوي واستباقي يجب أن تضطلع به إدارة الدفاع المدني لاستشعار مواطن الخطر ونشر المعلومات والارتقاء بالوعي الجمعي والرفع من نسبة عدد الأفراد المؤهلين والمدربين لمساندة عمليات الانقاذ والإغاثة إن حدثت كارثة لا سمح الله.
الغالبية من العوام لديها سوء تصرف وغوغائية في التعامل مع الأزمات أو الكوارث، فالكل (شهم وفزّيع)! وأغلب شباب جدة (على سبيل المثال) قد ساهم بطريقة أو بأخرى في أنشطة تطوعية خلال كارثة السيول المتكررة . لذا أطالب بدور فاعل وقوي للدفاع المدني يبعد شعور التذمر من خدماتها المتأخرة ويغير النظرة إلى الأفضل ، وإن كانت الإدارة تعاني من قلة عدد الأفراد المدربين ذوي الخبرة والمهارة في التعامل مع الأزمة فور وقوعها فلم لا يفتح باب التوظيف في قطاع حكومي يتشرف شبابنا بالخدمة فيه ؟ لا بد من نشر الوعي بشكل مكثف بالأخطار وأساليب التعامل مع الكوارث والأزمات لكل مواطن ومقيم عبر دورات وورش عمل مجانية على مستوى المناطق . ولا بد من الانتهاء من ملف المنشآت المخالفة والمنشآت التي عطّل لها الدفاع المدني تجديد التراخيص بعد (حالة اليقظة المفاجئة من الحريق إياه) ليضع معايير جديدة واشتراطات محدثة مطالباً من المنشآت بتطبيقها. لما لا يوضع حد زمني مشروط للتنفيذ وإجراء التعديلات في المباني (كسلالم الطواريء مثلاً والمضخات) ويتم إيقاع الغرامة على المنشأة المتأخرة في التنفيذ ؟ لماذا لا تكون الاشتراطات محكمة ونافذة بحيث نضمن ما أمكن سلامة الأرواح والممتلكات بعد مشيئة الله ؟
هي دعوة موجهة للتجار والمستثمرين والمستثمرات في قطاعات التعليم والتدريب وغيرها إلى الاحتراز والوفاء بأوجب الواجبات وهو حفظ النفس البشرية (مادمتم عليها قائمين) . وهو طلب مخلص لإدارة الدفاع المدني بتعجيل إكمال المهمات وعدم تعطيل مصالح الناس والاضطلاع بمهامها بطريقة متجددة تواكب متطلبات من تقدم خدماتها إليهم بمهنية عالية، فنحن بلاد الأمن والسلامة والأمان وليس لنا في النهاية إلا الله حافظاً ونصيرًا.
فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي