لماذا هذه الانتقائية يا مصارفنا العزيزة؟
أدرك أن المصارف التجارية لم تنشأ لتكون جمعيات خيرية أو أن تكون مصدراً تمويلياً مفتوحاً دون وجود ضوابط ومعايير مرتبطة بعامل المخاطرة. والمصارف التجارية حين تضع لها نظريات التمويل أسساً محدداً بلا شك الهدف منها إبعاد هذه المنشآت الاقتصادية عن المخاطرة قدر الإمكان لكون المصارف التجارية تعد من أهم مكونات البنية الأساسية للاقتصاد. ولذا فالمحافظة على كل ما من شأنه زيادة ملاءتها المالية أمر مطلوب في عرف ونظرية العلوم المالية. ومن هذا المنطلق تجد أن سوق المال وبالذات المصارف التجارية من أكثر الصناعات في الخريطة الاقتصادية تشريعاً ومراقبة وضبطاً يشرف عليها عادة ما يسمى بالمصارف المركزية، حيث تقوم في السعودية مؤسسة النقد بهذا الدور.
ولقد عرف عن مؤسسة النقد دورها الرائد في الإشراف على المصارف التجارية المحلية والذي كان له دور بارز في تطويرها وكفاءة أدائها بشكل مكّنها من النجاح نحو تجنيبها تقلبات وأزمات اقتصادية ومالية مختلفة العالمية منها والإقليمية والمحلية. وفي الوقت نفسه لا ينكر أيضاً ما منح للمصارف التجارية السعودية من مناخ اقتصادي يعد مثالياً، خصوصاً في عرف المنافسة. وبين هذا وذاك لا بد أن تدرك هذه المصارف التجارية أنها يجب أن تضع نوعاً من المواءمة بين مناخها المثالي الموهوب لها وبين طبيعة أعمالها. ولا أقصد هنا المسؤولية الاجتماعية، فذاك أمر آخر لكنني أتمنى على هذه المصارف أن تخفف من تطبيقها الحدي لتعريف المخاطرة فيما يخدم المجتمع دون إضرار بمصالحها وهدفها الربحي المشروع أصلاً والذي لا ننكره البتة.
ولعلني أقف هنا عند أحد نماذج مثل هذه الحدية. فالمصارف مثلاً لا تقرض بعض الموظفين المواطنين إذا لم يكونوا عاملين في شركات معينة معروفة لديهم حتى وإن كان هذا الموظف يعمل في شركة أو منشأة اقتصادية سعودية مصرح لها بالعمل ونظامية في كل شؤونها بحجة أن هذه المنشأة ليست من بين الشركات المعروفة لدى المصرف. ووقفت على أمثلة كثيرة حيث يعمل طالب القرض في شركة كبيرة (وفي شركة مالية) ويرفض طلبه بحجة عدم وجود هذه الشركة في قوائم المصرف، وأنها غير معروفة لديه أو ليس لديهم مذكرة تعاون بين المصرف والشركة! أليس من الواجب على المصرف أنه بحجة عدم معرفته بهذه الشركات لسبب أو آخر أن يحرم ذلك الموظف من حق مشروع له، خصوصاً عند تحكيم عامل العائد والمخاطرة والذي ربما يقرض شخصاً أكثر مخاطرة من ذلك الشخص الذي لا يوافق على قرضه لعدم معرفة الشركة التي يعمل فيها.
إنني أرى أنه مع تطبيق الملف الائتماني والذي تقوم عليه "سمة" وهو الأهم في التعرُّف على مدى ملاءمة الشخص وقياس مستوى المخاطرة لديه، فليس هناك سبب أكثر نحو إيجاد قوائم لشركات محدّدة لدى المصرف لا يعترف إلا بإقراض موظفيها. إضافة إلى ذلك أرى أن لدى الدوائر الرسمية من وزارات وغيرها معلومات كافية يمكن للمصرف أن يتعرّف عليها قبل رفض موظف شركة ربما أنها أكبر من أغلبية الشركات التي يقتنع بها المصرف.