سورية بين الملك عبد العزيز والملك عبد الله

الباحث المنصف والمؤرخ الحصيف والسياسي الأمين إن وُجِد يؤكدون جميعهم وغيرهم أن المملكة العربية السعودية من تاريخ إنشائها في مختلف الحقب الماضية دولة تعمل قيادتها على تحقيق الاستقرار والاستدامة والنماء لجميع دول العالم، خصوصا دول الجوار، ولا يذكر التاريخ المنصف أن المملكة تدخلت في الشؤون الداخلية لأي دولة، وكانت وما زالت حريصة على علاقات طيبة مع الجميع بغض النظر عن مواقف تلك الدول من المملكة، حتى إن مثل هذه المواقف السعودية الصادقة والمتزنة والبعيدة عن المشاحنات كانت تحسب ضعفا لموقف المملكة على أساس أن الهجوم أفضل من الدفاع، لكن القيادة السعودية تعلم أن الهجوم في مثل هذه المواقف ذو أثر سلبي في الجميع، ولا يحمل معه إلا كل شر.
لقد استوقفني في هذا الشأن العديد من المواقف التاريخية لقيادة المملكة لنصرة إخوانهم العرب والمسلمين في مختلف دول العالم، ومن الأحداث السيئة اليوم هي ما يدور في سورية الشقيقة وما يتعرض له أبناؤها من قتل ونهب وسلب واغتصاب.
لقد حاول خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - ومن خلال وقفة إيمانية وطنية إسلامية صادقة في جمع جميع القيادات الإسلامية في أقدس بقعة وفي واحدة من أهم الليالي الرمضانية عندما دعا - حفظه الله - قادة المسلمين للوقوف على قضاياهم وتحمل مسؤولياتهم المتمثلة في نصرة إخوانهم في سورية ضد الظلم والقتل الذي يتعرضون له، وجعل من مكة المكرمة وبيت الله مكانا للقاء، وجعل من ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان موعدا للقاء حتى يضع جميع القادة والمسؤولين والمسلمين أمام مسؤولياتهم التاريخية في حماية الأرواح والممتلكات والأوطان دون حرص من القيادة السعودية على التدخل في الشأن المحلي لأي بلد، لكن عندما يصبح الوضع كما نراه اليوم في سورية من سفك للدماء ونهب للأملاك واغتصاب للأعراض، فإن قيادة المملكة ومن منطلق المسؤولية الإنسانية والإسلامية دعت لهذا الاجتماع الإسلامي العظيم، إضافة إلى معالجته أوضاع المسلمين في العديد من دول العالم.
إن موقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وحرصه على حقن الدماء السورية أعاد للأذهان موقف الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - عندما التقى وفدا من سورية قبل أكثر من 70 عاما كما ذكره الصحافي محيي الدين رضا ابن أخ العلامة محمد رشيد رضا وسجله في مشاهداته لحج عام 1361هـ وذكره في كتابة ''بجوار الكعبة المشرفة''، وأشار إليه الباحث السعودي إبراهيم بن حمد آل الشيخ في جريدة ''الحياة'' يوم السبت 21/7/2012 ونقله عنه الأخ عبد الواحد الأنصاري، حيث ذكر الصحافي محيي الدين رضا في كتابه صفحة 87 حديث الملك عبد العزيز - رحمه الله - إلى وفد سورية، حيث ذكر ما نصه ''تشرف وفد من أبناء سورية بمقابلة جلالة الملك عبد العزيز آل سعود يوم الأحد 18 يناير سنة 1946 في قصر الزعفران، وكان دولة السيد جميل مردم بك، وزير سورية المفوض في مصر وقتئذ، يقدمهم إلى جلالته، فصافحهم فردا فردا وهو واقف، ولما جلس جلالته جلسوا جميعا فرحب بهم، وأخذ يلقي عليهم درره الغالية من النصائح الحكيمة، فقال: (إننا مسلمون وعرب نفخر بتاريخنا، ولا سيما في عصر النبوة وما تلاه من عصر الخلفاء الراشدين. ولقد كان أهم عامل في نصر العرب هو التضامن والتساند والطاعة. فأوصيكم بأن تنهجوا على الطريق الذي سار عليه سلفكم العظيم. اعتمدوا على أنفسكم بعد الله فأنتم الشعب ولكم النصر والبقاء، ولا تعتمدوا على ملوك أو أمراء، ولا يحرص أحد منكم على الكراسي في سبيل ذلة الوطن.
اعملوا لأنفسكم ولأوطانكم، وليكن أمامكم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وليكن كل منكم جنديا في صفوف الوطن. وإنكم أنتم يا أهل سورية جاهدتم أكثر من غيركم جهادا متواصلا، وكنتم خير قدوة من قديم الزمان إلى اليوم، وإنني أفخر بأن معظم العاملين معي هم من أهل سورية، وإنني لا أطلب منكم العمل إلا لخدمة أنفسكم، فأنا لا أحرص على إحلال أحد من أولادي عندكم، بل إنني أقول لكم بصراحة: إن الخير كل الخير لكم في اعتمادكم على أنفسكم وليس على أحد آخر مطلقا حتى ولا على أولادي! لقد بادرت بالاعتراف بسورية، ولقد سبب اعترافي بها في إبانة عدم راحة بعضكم ــ أليس كذلك يا جميل مردم؟ (فقال جميل بك: نعم) ولقد قابلت روزفلت فتكلمت معه بشأن سورية ولبنان وفلسطين، ولم أتكلم معه بشأن بلادي خاصة، لأنني أعد نفسي عاملا لرفعة شأن بلاد العرب كلها، فوعدني بمساعدة العرب، ونحن جنود لخدمة الوطن العربي في كل بقعة من بقاعه، نعمل بكل قوانا لإنقاذ البلاد العربية من براثن أوروبا).
لقد أوضح المغفور له الملك عبد العزيز الموقف السعودي الصادق والراسخ في دعم الأمتين العربية والإسلامية وأوضح للوفد السوري ما يجب عمله للارتقاء بالشأن السوري المحلي إلى ما نرجوه اليوم لسورية شعبا وحكومة وأرضا بعيدا عن السرقة والقتل والسلب أو الاحتلال الإيراني البغيض، الذي يعتبر أسوأ أنواع الاحتلال الذي يمكن أن تعرفه سورية في تاريخها، علما بأن الوفد السوري كان يرغب في تعيين أحد أبناء الملك عبد العزيز ملكا على سورية، وهو ما اعتذر عنه الملك - رحمه الله- وللحديث عن لقاء الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع الصحافي محيي الدين رضا وقفة أخرى حول أفضل الطرق لبناء الدولة، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وقفه تأمل:

''منى عليكم يا هل العوجا سلام
وأختص أبو تركي عمى عين الحريب
يا شيخ باح الصبر من طول المقام
يا حامي الوندات يا ريف الغريب
اضرب على الكايد ولا تسمع كلام
العز بالقلطات والراي الصليب
أكرم هل العوجا مدابيس الظلام
هم درعك الضافي إلى بار الصحيب
عينك إلى سهرت يعافون المنام
سم لغيرك وأنت لك مثل الحليب''

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي