«ساهر» يثير التساؤل حول شراكة القطاعين العام والخاص

الحفاظ على الحياة من ضروريات الدين، فبها تقوم مصالح العباد أجمعين، ومن أجلها وضعت الأنظمة والقوانين، وانتهاكها أو تهديدها من أسباب العقوبات الصارمة التي يتفق عليها العقلاء، وأقرتها الدول بالتسليم والقبول منذ أن كانت الحياة بسيطة في أسلوب وأنماط المعيشة، حتى بلغت نهايتها في التعقيد مع انتهاء الألفية الثانية، وما زالت تمشي سريعاً صوب المزيد كلما أشرقت شمس جديدة من أيامها إلى أن يقضي الله سبحانه أمراً كان مفعولا.
ولا شك، أن من أخطر مهددات الحياة في عالم اليوم تكمن في وسائل النقل، وتحديداً منها السيارات التي يذهب ضحيتها آلاف البشر سنوياً حول العالم، ولا تزال الحصيلة في ازدياد رغم الشروط واللوائح المحكمة، ولعل السرعة أهم أسباب مشكلة الحوادث الكبيرة المؤسفة التي تحصد بتهورها الأرواح والأموال بل وحتى.. الأحلام.
من أجل ذلك قامت الدول بحلول عدة، كان أشهرها نظام تحديد السرعات على الطرق الذي يرتب على مخالفته عقوبات مالية كبيرة بنسبة تتناسب طرديا مع ارتفاع السرعة، وهل أتاك نبأ ''ساهر''، وبرقه القاهر، وذكراه في الخاطر؟، تلك الذكرى التي لم يخل منها سائق إلا بصورة جميلة تؤخذ له ''على الطائر'' لتجعل منه مشهوراً في دوائر المرور، وشبابيك الدفع!
إن الهدف من نظام ساهر الحد من الحوادث المرورية في المملكة، بينما يعتقد أكثر أنه قد يكون خلال خمس سنوات ثاني أكبر دخل للمملكة بعد النفط، ولا شك، لسنا ضد هذا ''الرقيب ''، ولا أي قانون من شأنه حماية أرواح الناس وممتلكاتهم، ولكن، من أجل أن يكون المشروع منصفاً للجميع يجب أن نعيد النظر في البنية التحتية للطرق، والخدمات المقدمة هناك، بدلاً من التفكير بعبثية حول مصير الغرامات الهائلة التي لم نسمع عنها شيئا حتى الآن، ما لم يكن له علاقة بتحديدها، وأماكن دفعها!
نحن نرى أن هناك تطورا سريعا في ''ساهر''، ففي البداية كانت سيارته تختبئ وراء شجرة، أو تحت جسر ما، لكنه يسعى اليوم نحو نظام أكثر ''حداثة'' حيث يسجل دخول وخروج المركبة من طريق معين، ويحسب تقنياً المسافة التي يقطعها السائق والفترة الزمنية المتوقعة ليحدد ما إذا كان صاحبها مستحقاً للتصوير عند ''ساهر'' من عدمه. بمعنى آخر، لو كان المشوار الذي تريد قطعه من الدمام إلى الرياض بمسافة 400 كيلومتر والسرعة المخصصة لذلك هي 100 كيلومتر/ ساعة، فبمعادلة رياضية مبسطة يمكن قطع هذه المسافة خلال أربع ساعات، حيث لو قطعت في فترة أقل من ذلك فأنت مخالف، وتستحق ''ذكرى'' من ''ساهر''!.
إني أعتقد أن ''ساهر'' بدأ يخرج عن مقصده الأساس وهو الحد من الحوادث، وأصبح مجرد آلة لجني أرباح خيالية، فالمعروف عالمياً أن السرعة على الطرق السريعة 120 كيلومترا في الساعة، وهذا ما كنا نشاهده على الطرق، ولكنك اليوم لا تشاهد سوى لوحة مكتوباً عليها مسافة 110 كيلومترات في الساعة، وبعد أقل من خمسة أمتار تشاهد سيارة ساهر في انتظارك!.
إن من يسكن مدينة الدمام ويعمل في الجبيل يقطع كل يوم طريق الموت الذي لا يزال يحمل في رصيده عشرات القتلى من مختلف الفئات العمرية، والسبب السرعة والقيادة على أكتاف الطريق الذي يبحث إلى الآن عن حل طال انتظاره، مثيراً سؤالاً فحواه: هل عجز رجال ''ساهر'' عن وضع خط أصفر ومنطقة مخصصة للطوارئ، أم إنه لم يكن ذا مردود مالي؟
في يومنا هذا، فإن أي شركة دعاية وإعلان راغبة في وضع إعلان على الطريق يجب عليها أن تدفع مبلغاً وقدره.. إلى البلدية بحسب حجم الإعلان ونوعه، لا فرق بين أن يكون محلاً تجارياً أو جهاز صراف آلي للمصارف، فالجميع يدفع على هذا المكان أو الطريق، السؤال هنا: هل تأخذ البلدية رسوماً على ''ساهر'' مقابل استخدامه للطريق؟، قد يقول القارئ: إن المرور كان يعمل هذا الدور في السابق، والجواب: إن المرور جهة حكومية ليس هدفها الربح، ولكن ''ساهر'' شركة خاصة هدفها الربح، ومن يقول غير ذلك فليحول ''ساهر'' إلى وقف يستفيد منه الناس لتطوير الطرق والخدمات على الطريق.
إن مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص يجب أن يعاد النظر فيها من حيث هل هي مشاريع ربحية للحكومة والقطاع الخاص أم إنها مشاريع تنمية؟ وأقصد بمشاريع تنمية، أن يكون الهدف الأساس هو التنمية وضمان عائد مقبول لا يتجاوز 15 في المائة، إلى درجة لا تصبح مشاريع استغلال للمواطن، ثم، وفي ضوء هذا، ماذا سيحدث لو تم تخصيص قطاع الكهرباء أو قطاع المياه، كيف سيكون حال المواطن إذا غابت الرقابة عن استغلال التاجر؟، مع أن مجرد خيط بسيط هو الذي يفصل بين الأرباح ورفع ربحية الشركات والجشع بالتفنن في أخذ أموال الناس.
أعتقد أنه من الضروري جدا أن أي مشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص أن يطرح بصورة شركة مساهمة مفتوحة يتم تداول أسهمها في السوق حتى نرفع مستوى الشفافية ويكون العائد على المجتمع كله وليس على.. مجهول!
أتمنى من وزارة التجارة ووزارة المالية أن تضع قوانين صارمة على موضوع المشاريع المشتركة بين القطاعين العام والخاص، وتنظم السوق لتكون مصلحة المواطن هي الرقم واحد في هذه المعادلة لا سيما ونحن مقبلون على العديد من المشاريع المشتركة بين القطاعين المذكورين فهل من مجيب؟.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي