القرصنة البحرية كابوس يؤرق شركات الملاحة

ارتفعت وتيرة عمليات القرصنة البحرية حول العالم واتسع نطاقها الجغرافي خلال السنوات الماضية، كما تطورت أساليبها حتى أصبحت كابوساً يؤرق شركات الملاحة والتأمين العالمية. وكما هو معلوم فإن هجمات القرصنة تشتمل على أعمال سلب وقتل واختطاف سفن واحتجاز طواقمها كرهائن والمطالبة بفدية مالية مقابل الإفراج عنهم. وقد بلغ عدد حوادث السطو البحري المسلح في أنحاء العالم خلال العام الماضي بحسب المكتب البحري الدولي التابع لغرفة التجارة الدولية 439 حادثة تم الإبلاغ عنها، منها 275 عملية قام بها مرتزقة من الصومال قتل خلالها ثمانية أفراد، ولا يزال القراصنة الصوماليون يحتجزون 11 سفينة و188 بحاراً. ويُقدّر حجم الأضرار المادية بسبب هذه العمليات بنحو 12 مليار دولار في العام.
وتتضح أهمية أمن النقل البحري التجاري وأبعاده الاقتصادية عندما ندرك أن ما يقرب من 90 في المائة من التجارة العالمية تنقل بحراً على ظهر 93 ألف باخرة شحن تجارية سنوياً، وتمر عبر خليج عدن تحديداً ما يزيد على 27 ألف باخرة تجارية كل عام. وعليه فقد أدى ازدياد هجمات السطو البحري في هذه المنطقة إلى ارتفاع تكاليف النقل البحري وتضاعف تكاليف التأمين على السفن المارة في خليج عدن عشرة أضعاف عما كانت عليه في السابق، وانعكس هذا الارتفاع على أسعار البضائع المنقولة ذاتها بما فيها السلع الأساسية.
وتقوم دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة بجهود حثيثة في مكافحة القرصنة البحرية في بحر العرب وخليج عدن ويتمثل ذلك في مشاركة القوات البحرية السعودية في حماية السفن التجارية في هذه البحار وكذلك من خلال عقد الندوات والمؤتمرات الإقليمية لمعالجة هذه الظاهرة، كما تساهم المملكة في دعم الجهود الدولية لمكافحة القرصنة.
ولا شك أن أعمال القرصنة تشكل تهديداً حقيقياً للملاحة، وهي في الواقع تعد ضرباً من أخطار الحرب في البحر وفقاً لتصنيف مجمع التأمين في لندن، ويجرم القانون الدولي أعمال القرصنة البحرية ويعتبر أربابها من الخارجين على القانون ويقعون تحت طائلة الملاحقة القانونية. ومع أنه لا يتوافر حتى الآن تعريف دقيق وشمولي للقرصنة إلا أن أقرب وأدق تعريف لها هو ما نصت عليه المادة 101 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، حيث عرفت القرصنة بأنها: ''أي عمل غير قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أي عمل سلب يرتكب في أعالي البحار (أي المناطق التي لا تشملها سيادة إحدى الدول) يستهدف لأغراض خاصة من قبل سفينة خاصة ضد سفينة أخرى''. لذا وبحسب هذه الاتفاقية فإنه ''يجوز للسفن الحربية التابعة لأية دولة في أعالي البحار أن تضبط أية سفينة قرصنة أو أية سفينة أُخذت بطريق القرصنة وأن تقبض على من فيها من الأشخاص، ولمحاكم الدولة التي قامت بعملية الضبط أن تقرر ما يفرض من العقوبات''.
وفي حال وقوع الباخرة في قبضة القراصنة تطرح عدة تساؤلات قانونية مهمة بغرض تحديد حقوق ومسؤوليات الأطراف المتعاقدة في عملية النقل البحري التجاري، وهنا تبرز أهمية صياغة عقد النقل البحري وشموليته لمثل هذه الحوادث. فعلى سبيل المثال هل يمكن لمالك السفينة رفض طلب المستأجر المرور بها في مناطق تنشط فيها أعمال القرصنة؟ فالأصل أنه يتعين على مالك السفينة الوفاء بشروط عقد النقل البحري ومنها التزامه بأن يسلك المسارات المائية المعتادة والمباشرة للنقل، ولكنه قد يخشى في الوقت ذاته على سلامة سفينته وطاقمها ويريد تجنيبهم المخاطر قدر الإمكان. وهنا تبرز أهمية مراجعة أحكام العقد، حيث تشتمل على بند أخطار الحرب وتدرج من ضمنها أخطار أعمال القرصنة، وعليه يمنح لربان السفينة الحق في اتخاذ قرار تغيير مسارها لتفادي الوقوع في يد القراصنة إذا رأى أن المسار المعتاد سيقوده إلى منطقة تهدد ملاحة السفينة بسلام، بناءً على تقديره الشخصي المعقول.
وحول احتساب قيمة استئجار السفينة خلال فترة احتجازها، فإنه عند صياغة بنود المشارطة الزمنية وكذلك شروط حالات الانحراف عن المسار الملاحي المعتاد أو المتفق عليه في عقد النقل، يتعين إدراج حق المستأجر في الامتناع عن سداد الأجرة المستحقة Off-Hire Clause في حال تعرضها للاختطاف، وهو شرط يسمح للمستأجر بموجبه التوقف عن سداد القيمة الإيجارية أثناء فترة احتجاز السفينة وتوقفها عن أداء الغرض الذي استؤجرت من أجله لانتفاء الغاية من عقد الإيجار.
أما فيما يتعلق بالتأمين وإشكاليات طلب التعويض عن الفدية المالية المدفوعة، ومن أجل تسهيل التوصل إلى تسوية، فإن تلك الخسارة يمكن أن تدخل في مجمل الخسائر البحرية المشتركة ضمن التعريف المدرج في نظام (العوارية العامة) General Average بحسب قانون التأمين البحري الإنجليزي عام 1906. كما قد يلجأ المؤمن عليه إلى طلب التعويض لقاء ما قام به ودفعه لإنقاذ حمولة الباخرة، وهنا من الضروري أن تشتمل بوليصة التأمين على بند Sue and Labour الذي تتعهد شركة التأمين بموجبه أن تدفع مصاريف تكبدها المؤمن عليه في سبيل تفادي خسارة معينة.
ونخلص مما سبق إلى أهمية دور عقد النقل البحري في بيان التزامات ومسؤوليات أطراف العقد في حال تعرض السفينة التجارية لاعتداء القراصنة، وإلى ضرورة مراعاة تفصيل شروط هذه العقود بشكل واضح من أجل حماية الحقوق وتفادي وقوع أي لبس يمكن أن يتسبب في إشكالات قانونية وتجارية تترتب عليها خسائر مادية فادحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي