في الأماكن المقدسة.. لكيلا تشوش الصورة الرائعة

تتشرّف المملكة خلال هذه الأيام باستقبال حجاج بيت الله الحرام لموسم حج هذا العام، حيث دأبت الحكومة السعودية بحرص نحو توفير ما يسهل على الحجاج والمعتمرين والزائرين حجهم وزياراتهم سواء في مكة المكرّمة أو المدينة المنوّرة ولا ينكر إلا جاحد الكم الهائل من الموازنات التي سخرت وتسخر كل سنة نحو التطوير والبناء والتوسع للبنية الأساسية وما يلزمها من تحسين متواصل لكل ما يتعلق بأداء الحج والعمرة والزيارة سواءً في أداء العبادة نفسها أو الخدمات الضرورية التي يحتاج إليها مَن يؤم هذه البقاع المقدسة.
وما الإعلان عن التوسعة التي أمر بها أخيراً خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ للحرم النبوي الشريف إلا نموذج من تلك الأمثلة على استمرارية الصرف بسخاء على هذه الأماكن المقدسة والاهتمام بكل شؤونها واستشعار لكل ما ينوب قاصديها. إنه على الرغم من تلك المصروفات التي بلا شك أسهمت وتسهم في تغيير وجه المعاناة والمشقة، بل يسّرت أداء هذه العبادات بشكل غير مسبوق، خصوصاً في ظل الأعداد المليونية من البشر التي تشهدها الأماكن المقدسة، إلا أن هناك بعض الجوانب التي تشوش تلك الصورة الجميلة المستحقة أو الانطباع الذي يجب أن يُؤخذ والذي تتسبّب فيه ممارسات لا ترقى إلى ما يوازي ذلك الاهتمام وما صُرف عليه. والمقصود هنا ليس التصرفات الفردية لكونها ليست ظاهرة، وإن وجدت فهي في حكم الوقوع مؤكداً في مثل هذه المناسبات ومع تلك الأعداد الهائلة من البشر، بل إن ما نقصده هنا في بعض الأعمال التي تحتاج إليها هذه الوفود ولكنها تؤدى بنموذج قاصر لا يتماشى والإمكانات التي سخرت. فمثلا النقل من وإلى داخل هذه الأماكن المقدسة لا يزال يُدار بأسلوب غير متقدم.
وأدرك أن الدولة ساعية في هذا الجانب لكن السؤال لماذا هي الدولة التي تقوم بحل مثل هذه المشكلة؟ فلماذا لم يضطلع القطاع الخاص منذ زمن وليس الآن بإقامة مشاريع ربحية تواكب وحضرية وتقدم ما هُيئ لهذه البقاع من بنية أساسية متحضرة لم يسبق لها مثيل. فأي انطباع مثلا يأخذه الحاج أو المعتمر أو الزائر حين يصل إلى مطار جدة وتستقبله تلك الليموزينات التي لم يفرض عليها بشكل مدني معايير تتفق والصورة البديعة التي يجب أن يرسمها ذلك الوافد. وأي انطباع يأخذه عند إحدى محطات الوقود بين مكة المكرّمة وجدة أو على طريق الهجرة ويرى النمطية في الأعمال والأسواق التي فيها أو حتى الخدمات الأخرى. وعلى هذا يقاس كثير من ممارسات الأعمال سواء في محيط هذه الأماكن المقدسة أو في داخلها، في حين أن الدولة ـــ حفظها الله ـــ لم تأل جهداً ولم تبخل بكل ما من شأنه تسهيل وتيسير إقامة هذه الوفود وأداء مناسكهم بصورة مدنية متقدمة. إن الأمنية هنا هي أن تقوم بعض الأجهزة الحكومية ذات العلاقة باستشعار حجم الاهتمام نحو خلق صورة تتوازى وحجم الاهتمام الموجود لدى خادم الحرمين الشريفين ـــ أيّده الله ـــ حيث تفرض وتتابع وتراقب وتحاسب بعض الأعمال لجوانب في ظاهرها هامشية لكنها تشوش صورة مستحقة فمن الظلم لتلك الجهود أن تتغير صورتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي