التغيير إرادة وقدرة.. وزارة التجارة مثالا
يقول ونستون تشرشل - رئيس وزراء بريطانيا الراحل - ضمن مقولاته الملهمة إن التطوير لا يتم إلا بالتغيير، وإن الكمال لا يتم إلا بالتغيير المستمر. ربما من هذا المنطلق، أعلنت وزارة التجارة والصناعة الأسبوع الماضي تخفيض البت في طلب ''تسجيل العلامة التجارية'' من ثمانية أشهر إلى سبعة أيام فقط من تاريخ تقديم الطلب!
ويشير الخبر الصحافي إلى أن الوزارة (إدارة العلامات التجارية) قامت بتطوير العمل على إنهاء إجراءات البت في الطلبات المتراكمة لديها (تجاوزت تسعة آلاف طلب)، وكثفت جهودها للنظر في الطلبات، وحددت هدف إنجاز أسبوعي للعاملين في الإدارة وتحفيزهم على تقليل مدة الانتظار. علما أن الوزارة - بحسب الخبر- تعكف على إنجاز مشروع لتقديم طلبات العلامات التجارية والبت فيها عبر الخدمات الإلكترونية. ورغم أن الخبر نشر في حيز صغير غير ظاهر، إلا أن محتواه لفت نظري واستوقفني من ثلاثة جوانب:
- إن تخفيض إجراءات البت في طلب تسجيل العلامة التجارية يأتي ضمن مشروعات التغيير التي تشهدها الوزارة، منذ قدوم وزيرها الجديد الدكتور توفيق الربيعة (13 ديسمبر 2011) الذي يعد ذا عقلية متفتحة ومهتما بالإبداع وإدارة التغيير والتطوير، الأمر الذي جعل تلك المشروعات محل ترحيب من موظفي الوزارة وعملائها (ولا سيما المستهلكين)، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك مقاومة للتغيير من الأطراف كافة، وهذا شيء متوقع.
- إن الوزارة استطاعت أن ُتعيد هندسة أحد إجراءاتها (تسجيل العلامة التجارية)، وبالتالي تخفيض المدة الزمنية التي يستغرقها هذا الإجراء من 240 يوما (ثمانية أشهر) إلى سبعة أيام، أي تخفيض 97 في المائة من الزمن المستغرق، وهذا إنجاز مذهل يحسب للوزارة للتخلص من البيروقراطية العقيمة.
- إن الوزارة (إدارة العلامات التجارية) وضعت هدف إنجاز أسبوعي للعاملين فيها، وهنا نتحدث عن معيار من معايير الأداء مقرونا بآليات لمتابعة الأداء والمساءلة، وهذا أمر ''مستغرب'' على القطاع الحكومي الذي يفتقر إلى آليات حقيقية لمتابعة أداء الموظفين وإنتاجيتهم، وبالتالي مكافأتهم على الإنجاز أو مساءلتهم على التقصير.
إنها ثلاثة جوانب مهمة في الإدارة لا تظهر إلا إذا اجتمعت عند قائد المنظمة الإرادة والقدرة على التغيير، وهو في هذه الحالة وزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق الربيعة الذي جاء من عالم تقنية المعلومات وأتمتة الإجراءات والتخلص من المعاملات الورقية.
فقد ظلت وزارة التجارة والصناعة ردحا من الزمن ''بركة راكدة''، محاطة بسياج من أصحاب المصالح الكبرى الذين لا يرغبون في تغيير يزعجهم ويثير استقرار مصالحهم. فالوزارة – مع الأسف – ظلت تنافح ردحا من الزمن لحماية مصالح التجار ليس على حساب ''المستهلكين'' وحدهم، إنما حتى على حساب الصناعيين كذلك.
لكن منذ أن تقلد الوزير الدكتور الربيعة منصبه، بدأ ينفض كيان الوزارة ويعيد لها الهيبة، وبدأ يغير من ثقافتها الإدارية ونهجها التقليدي الذي جعلنا نفقد الثقة بها.. من حماية مصلحة ''التجار'' إلى حماية مصلحة المستهلك. وإثر هذا قامت الوزارة بعدة مبادرات غير مسبوقة: كإلغاء رسوم الخدمة في المطاعم، وإلزام المتاجر بإعادة البضاعة أو استبدالها، وكبح لأسعار السلع، ومعاقبة التجار والمحال المخالفة والتشهير بهم لأول مرة في تاريخ السعودية رغم وجود أنظمة كانت ''معطلة'' أو أريد لها أن تكون كذلك!
استطاع الوزير أن ُيفعّل نحو 30 نظاما من الأنظمة الواقعة ضمن اختصاص الوزارة، أنظمة منسية تنتظر من ينفض الغبار عنها، بدأ في تفعيلها لضبط أسواقنا الجامحة، في الوقت الذي عهد إلى فريق عمل لديه مراجعة الأنظمة الحالية التي صدرت منذ عقود ولم تواكب المستجدات.
لقد كان أول وزير سعودي ينتهج سياسة التغريد المفتوح، ويتواصل مع المواطنين عبر ''تويتر'' فيستمع لشكواهم وهمومهم، ويتجاوب معها في زمن قياسي غير معهود في القطاع العام الذي تنعدم عنده قيمة الإنسان والزمن، ونجح في أن يدخل الخدمات الإلكترونية للوزارة، وأن يتيح للمواطنين المشاركة في اتخاذ القرارات من خلال إتاحة الفرصة لهم لإبداء أفكارهم واقتراحاتهم عبر موقع الوزارة.
وإذا كنا نتوقع ردة فعل ''معينة'' من بعض التجار تجاه التغييرات الحاصلة داخل الوزارة، فإننا نحتاج في المقابل إلى أن نرصد مواقف موظفي الوزارة من مشروعات التغيير (تغيير ثقافة الوزارة، وإعادة هندسة إجراءات العمل فيها، وتحديد معايير لأداء موظفيها)، خاصة أن البعض منهم قد اعتاد البيروقراطية. فالوزير - أو أي قائد إداري يقوم بالتغيير - سيتعامل مع أربع فئات من الموظفين تطرق إليها خبير إداري بريطاني في محاضرة له في عقر دار التجار (الغرفة التجارية الصناعية في الرياض) عام 2008، وهم مع إيضاح نسب وجودهم في المؤسسات:
- المناصرون (10 في المائة): الموظفون الذين يستبشرون خيرا من التغيير، ولا أحد يؤثر في توجههم المحمود، تراهم متحمسين، مندفعين، متفتحين، مبدعين، ويتمتعون بتفكير إيجابي، ويواكبون تيار التغيير.
- المناهضون (10 في المائة): الموظفون الذين يقللون من أهمية التغيير، أو يعارضونه علنا، ويتصفون بتفكير سلبي هدام، يشككون في التغييرات الحاصلة في المؤسسة أو الإدارة مهما انطوت من إيجابيات، متطرفون في آرائهم لا يتقبلون وجهات نظر أخرى.
- المزدوجون (20 في المائة): الموظفون الذين لم تتحدد هوياتهم، تجدهم حذرين ومتشائمين وعنيدين، نفسهم قصير ويتعبون بسرعة عند مشاركتهم في إحداث التغيير، لذا تجدهم متقلبين وأصحاب مواقف غير ثابتة.
- الأتباع (60 في المائة): هم عامة الموظفين الذين لا يتمتعون بأي طموح وظيفي، ولا يشعرون بأي فرق سواء حدث التغيير أو لم يحدث، همهم الوحيد الحضور والانصراف والحصول على الراتب، يقلقهم ''الأمان الوظيفي''، أي استمراريتهم في المؤسسة، تجدهم هادئين وقانعين وانقياديين ويركضون وراء من غلب.
لذلك، ندعو للوزير بالتوفيق والنجاح، فهو يملك الإرادة والقدرة على إحداث التغيير، لا يحتاج سوى إلى المراهنة على المناصرين لقيادة مشروعات التغيير في الوزارة، وتحييد المناهضين، وكسب المزدوجين، والاهتمام بالأتباع!