إنجاز كبير.. وسلبيات صغيرة تتكرّر
كل عام وأنتم بخير..
ونحن على وشك إنهاء موسم حج هذا العام 1433هـ بعد أن منّ الله على المسلمين بالتوفيق، إن شاء الله، في أداء مناسكهم، بفضل الله، ثم بفضل ما هُيئ لأداء هذا الركن الخامس في الإسلام من حشد للجهود وموازنات ضخمة بسخاء، والتي يوليها خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ــــ اهتمامه البالغ، وحرصه الشديد دوما على أن تكون الأماكن المقدسة والعبادات فيها على أكمل وجه وبرقي مدني متحضر يتناسب والتطور الذي تعيشه البشرية اليوم وبهاجس قراءة واستشراف للمستقبل وما يكتنف ذلك من تغيرات في الاحتياجات لذلك. إن الحج يعتبر حدثاً سنوياً فريداً لا يقارن له مثيل في الكون سواء على المستوى الديني أو الأحداث الاجتماعية المختلفة، ولذلك فله من الخصوصيات ما لا يمكن تشبيهه بمناسبات أو أحداث متكررة تصير في العالم لعدد من الأسباب من أهمها أن مَن يؤم هذا الحدث العظيم لا يجمعهم غير قاسم مشترك واحد وهو العقيدة الإسلامية. فهو لكل الفئات العمرية تقريباً ولكل الأجناس ذكراً وأنثى ومختلف العرقيات والخلفيات الثقافية وهو لكل الطبقات وسائر المسلمين دون تمييز لمداخيلهم الرأسمالية تقريباً "لمَن استطاع إليه سبيلا". ومن هذا المنطلق ولتباين كل هذه الصفات يكوّن هذا صعوبة أبلغ في تهيئة ما يلزم لهذا الحدث ما يلبي كل هذه الفروقات.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة والمضنية والمقدّرة بحق من أغلبية العالم الإسلامي وما تعمل عليه المملكة باستمرار من تحسينات متوالية بعد انتهاء كل موسم ومراجعة شاملة لكل خلل حصل مما يفرز مقترحات وحلولاً بعدها لا تبخل المملكة أبداً في الإسراع بقطع دابر مصدرها والتي من أمثلتها الجمرات إلا أن هناك عدداً من المشكلات البسيطة التي تتكرّر وبالوتيرة نفسها تقريباً، ومن سبب المشكلة نفسها والتي في بعضها يمكن أن تكون حلولها هي الإدارة وليس البنية التحتية أو الفوقية للأماكن المقدسة. فمثلا الافتراش والازدحام في المطاف أو النفرة كلها أرى أن الإدارة ستسهم بشكل جوهري في التخفيف من وطأة آثارها.
إن رأيي يتمثل في "مأسسة" أعمال الحج بشكل أكثر تفصيلاً ودقة، إذ إن الفردية في الحلول وترك الحجاج يتصرفون بفردية حين قيامهم بأعمال الحج كالتنقل أو الطواف وغيره هي من عوامل الفوضى وتشويه الصورة لأعمال جليلة تقوم بها الدولة. وليس هذا فحسب، بل أقترح أن يمتد إلى خلق نظام إداري للحملات وفرضه في وجود منظمين لكل مجموعة ومشرفين، حيث تتم المحاسبة على التقصير من جانب هذا الهرم الإداري وليس الحجاج أنفسهم، حيث يكون من يقوم على هذا الهرم الإداري التنظيمي كفاءات بشرية مؤهلة تتناسب وخلفيات كل حملة ومجاميعها المقسمة. فقائد كل مجموعة هو المسؤول عن أدق التفاصيل لمجموعته والتي يجب أن تتعدى الأكل والشرب والنوم والمواصلات. بل الأهم وهو إدارة أداء العبادات والمناسك ذاتها بشكل أكثر تنظيما.
إن الإدارة الجيدة هي من أهم عوامل كفاءة الأداء، وهو ما نراه في الحج، ولا شك أن الاستفادة مما سبق هي من صفات الإدارة الجيدة، فبالتنظيم الإداري المحكم ستتحسن وتتطور الخدمات على الوجه الذي يتلاءم والإمكانات والمقدرات الهائلة التي تصرفها الدولة.
حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً لكل حجاج بيت الله الحرام.