مستقبل هيئة السوق المالية في شفافيتها
حاول مجموعة من باحثي جامعة كورنيل الأمريكية دراسة كفاءة هيئة السوق المالية في تنمية واستدامة السوق المالية من خلال مراجعة جميع اللوائح والقواعد والتعليمات الصادرة من هيئة السوق المالية في 32 دولة وانعكاساتها على نمو واستدامة أسواقها المالية. نشرت الدراسة منذ فترة في مجلة تمويل الشركات تحت عنوان ''حوكمة السوق المالية: تأثير أنظمة هيئة السوق المالية على أداء السوق؟''. سعت الدراسة إلى تدويل نتائجها من خلال مقارنة الهيئات الـ 32 مع كفاءة هيئة السوق المالية الأمريكية، وكذلك ربط الجوانب التنظيمية والقانونية والتشغيلية بالجوانب المالية والاقتصادية، تمهيدا لتصنيف تلك الهيئات حسب كفاءتها.
طوّرت الدراسة مؤشرا لقياس كفاءة هيئة السوق المالية في كل دولة من الدول الـ 32 من خلال اتباع خطوتين رئيستين. حددت الخطوة الأولى عوامل العلاقة بين العائد على الاستثمار في الأوراق المالية ومستوى شفافية السوق، وكفاءة قوانين الحد من تسرب المعلومات الداخلية عن الشركات المدرجة، وكفاءة أنظمة مراقبة نشاط العقود المستقبلية للأوراق المالية كعوامل رئيسة لقياس كفاءة هيئة السوق المالية. ونظرت الخطوة الثانية إلى العلاقة بين تطوير هيئة السوق المالية المستمر للوائحها وقواعدها وتعليماتها في كل من الـ 32 دولة، وانعكاسات هذا التطوير المستمر على تكلفة رأس المال المستثمر، ومستوى السيولة المتوافرة في السوق، وحجم الاستثمار المؤسسي الأمريكي في الأسواق المالية، وكفاءة أسعار الأوراق المالية.
قسمت الدراسة عينة الأسواق المالية إلى مجموعتين. المجموعة الأولى الأسواق المتقدمة وضمت الأسواق المالية في 22 دولة، مثل أسواق كندا، ألمانيا، فرنسا، والمجموعة الثانية الأسواق الناشئة وضمت الأسواق المالية في عشر دول، مثل أسواق ماليزيا، الهند، والمكسيك. قام الباحثون بعد ذلك بتحليل حركة مؤشر أسواق المال في تلك الدول الـ 32 خلال الفترة من كانون الأول (ديسمبر) 1969 إلى كانون الأول (ديسمبر) 1998، لمعرفة مدى تأثر وتأثير حركة المؤشر باللوائح والقواعد والتعليمات الصادرة من هيئة السوق المالية في الدول الـ 32.
توصلت الدراسة إلى نتيجتين رئيستين. النتيجة الأولى تصنيف هيئة السوق المالية حسب كفاءتها في تنمية السوق المالية واستدامتها في الـ 32 دولة مقارنة بمستوى كفاءة هيئة السوق المالية الأمريكية. وحصلت على المراكز الخمسة الأولى على التوالي هيئة السوق المالية البرازيلية، والكندية، والفرنسية، والبريطانية، والتايوانية، والسنغافورية. وحصلت هيئة السوق المالية الإسبانية، والماليزية، واليونانية، والباكستانية، والهندية على المراكز الخمسة الأخيرة على التوالي. والنتيجة الثانية أن الاستمرار في تطوير اللوائح والقواعد والتعليمات الهادفة إلى تنمية السوق المالية واستدامتها يساعد على تقليل تكلفة رأس المال المستثمر ويزيد مستويات السيولة وكفاءة أسعار الأوراق المالية.
أحد أهم المآخذ على هذه الدراسة أنها أجريت من منظور الأسواق المالية الأمريكية ومدى تجاوب كل سوق مالية في الدول الـ 32 مع نمو واستدامة الأسواق المالية الأمريكية. بمعنى آخر، أنه لو أجريت الدراسة من منظور ياباني، على سبيل المثال، فإن النتائج ستتباين بتباين طبيعة علاقة الاقتصاد السياسي للدول الـ 32 مع الاقتصاد السياسي الياباني. وعلى الرغم من هذا المأخذ إلا أن النتيجتين الرئيستين للدراسة ستسهمان في معرفة موقع هيئة السوق المالية السعودية من قائمة الكفاءة المذكورة في الدراسة أعلاه.
تقودنا نتيجة الدراسة إلى النظر في مستوى الإفصاح والشفافية في هيئة السوق المالية السعودية بعد التطورات الأخيرة التي أدت إلى سحب المقام السامي مشروع برج الهيئة الجديد الواقع في مركز الملك عبد الله المالي من الهيئة وإدراجه في ملكية المؤسسة العامة للتقاعد. تطورات هامة تثير علامتي استفهام ودهشة حول كفاءة الهيئة في أداء دورها الرئيس والمتمثل في الإشراف على تنظيم وتطوير السوق المالية، وإصدار اللوائح والقواعد والتعليمات اللازمة لتطبيق أحكام نظام السوق المالية، وتوفير المناخ الملائم للاستثمار في السوق، وزيادة الثقة به، والتأكد من الإفصاح الملائم والشفافية للشركات المساهمة المدرجة في السوق، وحماية المستثمرين والمتعاملين بالأوراق المالية من الأعمال غير المشروعة في السوق.
حيث يحظر نظام السوق المالية على الهيئة القيام ''بأي نشاط تجاري، أو أن تكون لها مصلحة خاصة في أي مشروع بقصد الربح'' (المادة الرابعة /أ). كما حدد النظام إمكانية أن تكون الموارد المالية للهيئة ''بدل استخدام مرافقها'' (المادة الثالثة عشرة/أ/2) مع فتح المجال لمجلس الهيئة بإقرار ''أي موارد أخرى'' (المادة الثالثة عشرة /أ/5) و''تحويل الفائض من الموارد التي تتقاضاها الهيئة ... إلى وزارة المالية'' (المادة الرابعة عشرة) على أساس تصنيفها بأنها ''أموال عامة تتمتع بالمعاملة نفسها التي تتمتع بها الديون المستحقة للخزانة العامة (المادة الخامسة عشرة).
تأتي هذه التطورات في الوقت الذي صدر فيه أخيرا انتقاد اللجنة المالية بمجلس الشورى حول توسع مجلس هيئة السوق المالية في استخدام الصلاحية الممنوحة له في فرض الغرامات التي تحصل لصالح الهيئة دون تطبيق النظام عن طريق لجنة الفصل في المنازعات في الأوراق المالية. وكذلك انتقاد اللجنة بمخالفة الهيئة لإجراءات وشروط التسجيل وقبول الإدراج المقرة من مجلس إدارة هيئة السوق المالية باستثناء بعض الشركات من الشروط المحددة وطرحها مباشرة للاكتتاب العام.
توشك هيئة السوق المالية أن تكمل عقدها الأول منذ إنشائها بموجب نظام السوق المالية. عقد من الزمن في مهمة تحويل نظام السوق المالية من خطة عمل إلى واقع ملموس. ومع النمو المتزايد في الانتقادات على سير عمل مجلس هيئة السوق المالية، فإنه من الأهمية بمكان التأكيد على حلول إعادة ترتيب أوراق هيئة السوق المالية بما يمكنها من الاستدامة في أن تكون أنموذجا يحتذى به في الإفصاح والشفافية وتهيئتها للمضي قدما في رحلة بناء المناخ الملائم للاستثمار في السوق المالية وزيادة الثقة وحماية المستثمرين والمتعاملين للعقد المقبل.