قرار الـ 200 ريال يحتاج لتعديلات منصفة
منذ بداية أسبوعنا هذا ومجتمع الأعمال في المملكة يعيش في أتون عاصفة قرار وزارة العمل القاضي برفع تكلفة رخصة العمل 2300 ريال دفعة واحدة!، وذلك من 100 ريال في السنة إلى 2400 ريال، وحسب تصريح الوزير أن سبب هذا القرار هو رفع تكلفة العامل الأجنبي، ودعم صندوق الموارد البشرية بعائدات هذا القرار حتى يسهم هذا الدعم في تدريب الكوادر الوطنية، وإذا عرف السبب بطل العجب!
بداية، لا يوجد لدي أدنى شك في أن هدف وزارة العمل من إصدار هذا القرار يعود إلى رغبتها في زيادة التوطين، ودعم مقتضيات السعودة، لكني أرى أن معارضة قطاع الأعمال لهذا القرار تأتي أيضاً من دافع وطني فحواه عدم رفع التكلفة على المواطن ما دام هو المستفيد النهائي، إذن، لن نزايد على وطنية أي أحد ما دام هدف الجميع وطنياً في الدرجة الأولى.
كلنا يعلم أن صندوق تنمية الموارد البشرية بدأ بمساعدة التجار ورجال الأعمال، وأن من الحكمة أن يكون لهؤلاء أعضاء في مجلس إدارة الصندوق ما دام الغرض خدمة القطاع الخاص في نهاية المطاف، وهم أولى بتلك العضوية، فمن المهم توزيع المسؤولية ليقف الجميع على حافة واحدة، ويتحملوا النتائج المترتبة التي تفرضها طبيعة العمل.
الجانب الآخر، للوزارة ذراع تدريبية ضخمة تتمثل في المؤسسة العامة للتدريب المهني، ولهذه المؤسسة ميزانيات عملاقة، ولكن ويا للأسف!، لا تتوافق المخرجات مع حاجة السوق، لا من ناحية التخصصات التي يحتاج إليها قطاع العمل، ولا من حيث معايير الجودة التي يفترض بالمؤهلين امتلاكها ليخدموا أنفسهم والقطاع كله، وهنا يثور سؤال بسيط: لم لا تطبق الكلية التقنية على سبيل المثال مناهج ونظام جارتها المتميزة كلية الجبيل الصناعية وهي تحت إشراف الهيئة الملكية للحصول على أفضل نتيجة؟.
أظن أن هناك اتفاقاً في وجهات النظر على عدم معقولية تحمل القطاع الخاص مشكلات مخرجات التعليم، لذلك، اقترح أن يشكل في كل منطقة من مناطق المملكة مجلس تعليمي للمؤسسة العامة للتدريب الفني والمهني يكون ثلثي هذا المجلس من رجال الأعمال لأنهم يعرفون احتياجاتهم، وبالتالي ربما يصححون مسيرة المخرجات المذكورة لو تم الأخذ بآرائهم على الوجه الصحيح.
كذلك، فحينما نمضي قدماً في تطبيق القرار نريد من وزارة العمل مستوى أعلى من الشفافية، بمعنى أن تكون هناك قاعدة بيانات يمكن لأي شخص الدخول إليها لمعرفة الباحثين عن عمل، وهل هم من المسجلين في نظام حافز إذا كان هم المراد توظيفهم أم لا؟، وحسب تصريح الوزارة أن 85 في المائة من المستفيدين من "حافز" هم من النساء، إذن، لن يستطيع قطاع البناء والتشييد والنقل على سبيل المثال توطين نسب عالية منهن لأسباب معروفة، وأكيد ستكون نسبة الأجانب في هذا القطاع أكثر من السعوديين لعدم توافرهم، وهنا يصبح تطبيق القانون بمثابة عقاب يفرضه رفع تكلفة العامل الأجنبي لسد الشاغر، وعدم توافر السعوديين في هذا القطاع، فهل وضعت مثل هذه الاحتمالات في الحسبان؟
وزير العمل، مع شكرنا له على التغيير والتطوير الذي تم في الوزارة، نرجو في الوقت ذاته أن تعمل الوزارة على تعزيز مفهوم الشراكة مع مجتمع رجال الأعمال، ومنها عرض مثل هذه القرارات على مجلس الغرفة في أقل تقدير قبل إصدار القرار، ويطلب من مجلس الغرف على سبيل المثال مراجعة القرار وكتابة الملاحظات والمقترحات حوله، بما يغني التجربة، ويسدد طريق القرار، وهذا أفضل من أن يتم إصداره ومن ثم دراسة التأثيرات الاقتصادية عليه فقط، فعلى سبيل المثال تشكل تكلفة القوى العاملة في أي مشروع بناء في قطاع التشييد والبناء بشكل عام ما لا يقل عن 35 إلى 45 في المائة من التكلفة المباشرة للمشروع، وبهذا القرار تم رفع تكلفة العامل بشكل مباشر، فلو كان راتب العامل ألف ريال شهرياً، ستكون تكلفته 1200 ريال شهرياً بعد هذا القرار، بمعنى زيادة في التكلفة لا تقل عن 20 في المائة، وهذه سيتحملها المواطن دون شك، مع أنه لا طاقة له لتحمل المزيد من الأعباء المالية.
أعتقد أن من المنصف في أن يتم تطبيق القرار لكل قطاع على حدة، فلو بقي كما هو عليه الآن، سيضعف من النمو، والتنمية في الوطن من خلال قطاع البناء والتشييد، ونخلق أزمة جديد في السكن.
وفي الختام نريد تعديلاً في القرار حتى لا نصل إلى نتيجة أنه صدر للجباية لا للتوطين.