دعوة لإنشاء السجل الوطني الموحد

بناء على توصية مرفوعة من ''اللجنة العليا للتنظيم الإداري''، أقرّ مجلس الوزراء السعودي الأسبوع الماضي إنشاء المركز الوطني للمعلومات الصحية''، الذي سيرتبط تنظيميا بمجلس الخدمات الصحية، ويتصل بشبكة معلومات صحية مع وزارة الصحة، والخدمات الطبية في الأجهزة العسكرية، والمستشفيات الجامعية، وغيرها من الأجهزة المعنية. وبحسب قرار مجلس الوزراء، سيقوم ''المركز'' بعدد من المهام، من بينها:
- العمل بمثابة مركز اتصال لتوفير وتنظيم وتبادل المعلومات الصحية آلياً بين أجهزة القطاعات الصحية وغيرها من الأجهزة ذات العلاقة.
- تحديد البيانات والمعلومات الصحية اللازم توفيرها من الجهات المعنية بالخدمات الصحية، ووضع القواعد والآليات اللازمة لتبادل هذه المعلومات بين الجهات ذات العلاقة.
- إيجاد ملف صحي إلكتروني موحد لكل مريض من خلال نظام للربط بين السجلات الطبية الإلكترونية في مختلف القطاعات الصحية، بما في ذلك المستشفيات والمراكز الصحية الأهلية.
- إيجاد سجلات وطنية للأمراض والأوبئة الشائعة على مستوى المملكة بالتنسيق مع الجهات والمراكز المختصة.
واسترعت المهمة الثالثة - إيجاد ملف صحي إلكتروني موحد لكل مريض - انتباهي، ذلك أنني كنت أفكر منذ زمن بفكرة أكثر شمولية، وهي ''السجل الوطني الموحد''، وهو ملف إلكتروني متكامل عن كل مواطن يضم ملفات (سجلات) فرعية، هي: السجل الشخصي (الاجتماعي)، السجل التعليمي، السجل الوظيفي، السجل السكني، السجل الأمني، السجل الائتماني، والسجل الصحي.
فجزء من مشكلاتنا ''الأزلية'' في القطاع العام، غياب المعلومات الصحيحة والمحدثة عن أوضاع المواطنين والبلد، وغياب هذه المعلومات يعرضنا لمخاطر اتخاذ قرارات غير سليمة، أو إعداد خطط غير مدروسة، أو تنفيذ مشروعات تنموية لا تلبي احتياجاتنا الراهنة، ناهيك عن المستقبلية!
تريدون أمثلة على كلامي؟ مضت أعوام دون أن نتحقق من أعداد العاطلين لدينا، الجامعات تخرج بالآلاف وسوق العمل تصدهم، مرة يقال لنا إنهم 200 ألف، ومرة 500 ألف، وفي النهاية يتجاوز الرقم مليون باحث عن العمل - بحسب ''إحصائيات'' برنامج ''حافز''. كانت أعداد العاطلين عندنا تتزايد في الوقت الذي تتناقص فيه قدرتنا على حصرهم، ولو كانت لدينا معلومات وإحصائيات محدثة عن واقعنا المعاش لبادرنا على الفور بالتدخل ومعالجة المشكلات وهي في مهدها، بدلا من انتظارها تتفاقم وتتحول إلى أزمات.
إن غياب المعلومات الدقيقة وتشتتها في قواعد بيانات منفصلة بعضها عن بعض، أدى إلى تضارب الأجهزة الحكومية من ناحية المشروعات والخطط والجهود والقرارات والمعلومات. لقد اضطرت وزارة العمل - مثلا - إلى الاستعانة بقواعد بيانات 12 جهة حكومية، وأكثر من 50 جهة خاصة، للتحقق من هوية العاطلين والعاطلات، واستيفائهم شروط برنامج ''حافز''.
بل إن معلومات المواطنين - إذا توافرت بصورة دقيقة وآنية - سترفع من فرص نجاح المبادرات (الخدمات الإلكترونية) التي تندرج ضمن برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية (يسِّر). فحاليا تتوافر سجلات شخصية (اجتماعية) وأمنية عن المواطنين لدى وزارة الداخلية، وتتوافر سجلات تعليمية عنهم من خلال برنامج ''نور''، الذي تديره وزارة التربية والتعليم، إضافة إلى أنظمة وزارة التعليم العالي والجامعات السعودية والملحقيات الثقافية، وتتوافر كذلك سجلات ائتمانية عن المواطنين من خلال أنظمة معلومات الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة).
أما السجلات الوظيفية والسكنية والصحية عن المواطنين فهي غير متوافرة حاليا بصورة مترابطة ومتكاملة، بمعنى أنها مبعثرة بين جهات عدة، ما يلزم إجراء عملية بحث لجمع تلك المعلومات من مصادر عدة قد تتضارب في معلوماتها، كالسجل الصحي، فكل مستشفى أو مركز طبي يراجعه المواطن، له فيه ملف يشتمل على معلومات لا تعلم عنها الجهة الطبية الأخرى. لكن مع قيام ''المركز الوطني للمعلومات الصحية''، سينشئ لكل مواطن ملفا صحيا إلكترونيا موحدا، يتيح للجهات الطبية الاطلاع على معلوماته الصحية عن طريق رقم الهوية الوطنية.
لذلك، أطمح من ''اللجنة العليا للتنظيم الإداري'' إلى تحقيق فكرة كبرى، وهي إيجاد ''سجل إلكتروني موحد'' لكل مواطن يشتمل على جميع بياناته المبعثرة في عدة قواعد بيانات حكومية وخاصة، بحيث يمكن أن نوفر له الكثير من الخدمات الحكومية والخاصة، على أن يتم تبادل معلومات المواطنين بصورة دقيقة تكفل الصحة، وآمنة تكفل السرية وعدم تداولها عند غير المخولين بالاطلاع عليها.
ولو كان لكل مواطن ''سجل وطني موحد'' يضم جميع معلوماته، لاستطعنا التخلص من البيروقراطية ومعاملاتها الورقية، وأن نسرع ونحسن من الخدمات الإلكترونية المقدمة للمواطنين، وفي النهاية نبني قراراتنا على بينة دون اجتهادات قد تخطئ وقليلا ما تصيب!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي