الميزانية المنزلية .. ببساطة لا نريد تطبيقها!
منذ زمن طويل وأنا لا أخطط لمصروفاتي الشخصية ولا أعد ميزانية منزلية لنفسي ولعائلتي، ولا أعتقد أن ذلك أمر غريب أو غير تقليدي في مجتمعاتنا، لأننا كعرب لم نصل إلى تلك المرحلة من التخطيط المالي لحياتنا كما هي الحال في الغرب الذي يجب أن يكون مبنيا على خطط استراتيجية تغطي كل أفراد العائلة، فمثلا لدي ابن في الثانية من عمره، إن كنت أريد له أو أتوقع أن يريد هو أن يصبح مهندسا أو فيزيائيا أو طبيبا فسأبني خططي على أن يدرس التخصص العلمي في الثانوية، أما قبلها فلن يتغير شيء تقريبا، إذاً كلما طالت فترة تلك الخطط زادت الاحتمالات، قد يكون الحديث عن ذلك معقدا وصعبا لغير المتخصصين، فهل يمكننا بناء ميزانيات مالية لأنفسنا بدون تلك الخطط الاستراتيجية المعقدة؟ الجواب ببساطة نعم نستطيع فعل ذلك إن كانت تلك الميزانية تغطي سنة مقبلة فقط أو أن تكون مخصصة للشهر المقبل، ومن الطبيعي أن تكون تلك الميزانيات أدق كلما كانت فتراتها قصيرة، نعم أعرف ذلك، أعتقد أن الكثير ممن يقرأون هذه المقالة سيتهكمون على تلك الأفكار ويقولون مثلا حين أخطط لميزانيتي الشهرية سأقلل من تكلفة الكهرباء لأنني سأشحن هاتفي في العمل أو هناك ماء كثير في العمل صالح للشرب، هل هذه فرصة مناسبة؟ أو يقول حين يرى والده العجوز يطفئ الأنوار وهو منزعج من أن ذلك سيرفع فاتورتها، لقد سرقها الغرب منا، ولكن ما الفائدة الفعلية من إعداد الميزانية العائلية؟ الواقع أن لها فوائد كثيرة، منها التحكم في المصروفات الرئيسية مثل أقساط مدارس الأولاد أو مصاريف قضاء الإجازات أو مخصصات للطوارئ، فيمكن أن نعزل شهريا مبالغ تخصص لذلك، ونكون قادرين على دفعها عند استحقاقها، ومن فوائدها أيضا أنك تعرف إلى أين تذهب أموالك، فقد تجد مثلا أنك تصرف في الأكل في المطاعم مبالغ ضخمة – قياسا بدخلك – ولو كنت تعرف ذلك لاكتفيت بالعيش الحاف.
ولكن ما المشكلة لدينا بالميزانية العائلية؟ المشكلة تكمن في رأيي في أنها عمل يجب أن نقوم به طوال الوقت، فيجب علينا أن نحصل على فواتير لكل مشترياتنا مهما كانت رخيصة الثمن، بما في ذلك شراء قطعة شوكولاتة، وبعد حصولنا على فواتير تلك المشتريات يجب علينا تفريغها يدويا في قوالب المصروفات – الحسابات كما تسمى علميا – سيكون الأمر صعبا للغاية ستكون أشبه بكاتب حسابات يقوم بتسجيل المصروفات في دفتر اليومية الأمريكية - أعتذر لاستخدام مصطلحات فنية – هناك تطبيقات بالهواتف الذكية تمكنك من تسجيل تلك المصروفات فورا كما تمكنك من تقسيم مصاريفك بالطريقة التي تناسبك، ولكننا إلى الآن لم نستفد من تلك الهواتف بالطريقة الكاملة، ولا أعرف إن كانت هناك دورات تدريبية لتلك التكنولوجيا المتقدمة في الهواتف الذكية.
في الغرب الأمر ناجح ومطبق على نطاق واسع، وهذا يعود إلى أنهم يخططون لكل شيء تقريبا، فهم يفعلون ذلك في العمل وفي مستقبل أبنائهم ويخططون كذلك لحياتهم بعد التقاعد حتى أنهم يخططون لقضاء إجازاتهم، ونظامهم يكافئ على ذلك فمن يخطط سيحصل على أسعار أفضل وعلى أماكن شاغرة، وكلما زادت فترة التخطيط زادت المنافع التي تحصل عليها، ولا أدري إن كانوا قد وضعوا هذا النظام بشكل متعمد لتحفيز الناس على التخطيط أو أن التخطيط هو الذي حفز الشركات لتفعل ذلك، لا أعتقد أننا نريد أن نعد أبحاثا لنكتشف الحقيقة، ولكن ما أعتقده هو أننا يجب أن نجعل المجتمع يحفز الناس على ذلك بنفس الطريقة.
نستطيع أن نحفز الناس على التخطيط بعدة طرق، منها ترجمة التطبيقات التي تسهل علينا عملية التخطيط وإيجاد حوافز مناسبة لذلك، وقبل أن نفعل ذلك نقوم بحملات إعلانية للترويج لاستخدام الهواتف الذكية وفوائد التطبيقات فيها، فأنا أعتقد أن أحد أسباب عدم رواج الهواتف الذكية هو عدم معرفة البعض كثيرا من فوائدها ويعتقدون أنها كالسيارة الفارهة لا داعي لشرائها، والبعض القليل يشتريها لأنه يعتقد أن شراء السيارة الفارهة من ضرورات الحياة والبقية القليلة التي تعرف فوائدها هي التي تقوم بالتخطيط لكل شيء تقريبا، هل خرجت على الموضوع بطريقة غريبة؟ أعتذر عن ذلك.
المشكلة أننا ببساطة لا نريد تطبيق الميزانية المنزلية ونعتقد أنها غير مفيدة إذا ما قارناها بفتاحة العلب.