تعارض المصالح في الشركات المساهمة

بدأت الحكومة الروسية في 1992 تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي شامل، بهدف تعزيز الانفتاح الاقتصادي على الأسواق الدولية، من خلال عدد من البرامج، كان أهمها تخصيص الشركات العامة. كان أحد أهم التحديات التي واجهت البرنامج تقييم أصول الشركات العامة. فتملك الدولة جميع مقومات الاقتصاد الوطني إبان فترة الحكم الشيوعي وما صاحبته من مركزية النظام الاقتصادي والتجارة الخارجية إلى آخرها من السياسات الاقتصادية الشيوعية، أدت إلى استحالة تقييم أصول الشركات. شكّلت الحكومة لجنة للبحث عن أدوات مالية لتقييم أصول الشركات العامة تمهيداً لخصخصتها.
وجدت اللجنة ضالتها في برنامج سندات التخصيص، التي تمثل ملكية جزئية في إحدى الشركات العامة قابلة للتحويل إلى أسهم، ومن ثم التداول بشكل مباشر في السوق المالية الثانوية الروسية. وتم اعتماد هذه الأداة وتم توزيع سندات التخصيص هذه على عمال الشركات التي يعملون فيها، بهدف تنشيط حاسة الملكية الشخصية لديهم، وتحسين أحوالهم الاقتصادية. تزامنت عملية توزيع السندات مع إعادة افتتاح سوق موسكو للأوراق المالية بعد فترة توقف استمرت أكثر من سبعة عقود، نتيجة قيام ثورة بولشفيك نهاية 1917. وفتحت تباعاً الهيئات والمؤسسات المالية الخاصة من مصارف وشركات استثمار ووساطة مالية أبوابها لخدمة عملاء السوق من عمال الشركات المالكين لسندات التخصيص.
كانت سوق موسكو تخضع من الناحية التشريعية إلى الجمعية الوطنية للأسواق المالية الروسية، ومن الناحية التنفيذية إلى إدارة السوق. وعلى الرغم من ضخامة إنتاج ومبيعات الشركات المدرجة في السوق، إلا أن إجمالي قيمة أسهمها السوقية لم تتعد في 1995 قرابة 20 مليون دولار. عزيت أهم أسباب تدني هذا الأداء إلى قرارات السلطة التشريعية، التي من أهمها تأخر افتتاح السوق المالية الثانوية حتى 1996. حيث استفاد عدد ليس بالقليل من شركات الوساطة المالية من تواضع وعي عمال الشركات بالقيمة المالية المستقبلية لسندات التخصيص، وتمركز قاعات التداول في المدن الرئيسة دون مناطق وجود الشركات في المناطق الصناعية، وتذبذب المهام التشريعية والتنظيمية والتشغيلية بين مؤسسات مختلفة في شراء سندات التخصيص من عمال الشركات بثمن بخس.
أعلنت الجمعية الوطنية للأسواق المالية الروسية في 1996 عن افتتاح السوق المالية الثانوية، والسماح لمالكي سندات التخصيص بتحويلها إلى أسهم تمهيداً لتداولها. فوجئ المتابعون بأن شركات الوساطة المالية أصبحت المالك الرئيس لأسهم سندات التخصيص دون عمال الشركات، حيث بدأت بلعب دور ''المستثمر'' في أسهم سندات التخصيص دون دور ''الوسيط'' بين السوق وعمال الشركات. جنت شركات الوساطة المالية أرباحا خيالية من هذه العملية وصلت في بعض أسهم الشركات إلى ما معدله 5 - 10 آلاف في المائة من السعر الدفتري لسند التخصيص.
لم تتوقف الممارسات غير الأخلاقية لشركات الوساطة عند هذا الحد، بل تعدتها لتسيطر على معظم قنوات السوق الاستثمارية بأساليب خارج عرف نشاط الأوراق المالية. من هذه الأساليب تنفيذ صفقات عملائها خارج السوق وتسوية ذلك في البنك المركزي، ثم إعادة تنفيذ العملية في السوق لمصلحتها بسعر أعلى بكثير من سعر الصفقة الرئيس. عمدت شركات الوساطة المالية إلى ممارسات أخرى، من أهمها المشورة الاقتصادية الكاذبة. حيث تقوم شركة الوساطة المالية انطلاقاً من طبيعة عملها بنشر توصية رسمية حول شركة مدرجة. يسبق ذلك الأسلوب عملية تجميع السهم لمصلحة الشركة. وبعد نشر التقرير، تقوم الشركة بتصريف السهم بعد تسجيله قياسات عالية غير مبررة.
أسهمت مثل هذه الممارسات وغيرها بشكل كبير في استمرار سوق موسكو للأوراق المالية في تقديم نتائج متواضعة. من هذه النتائج أن القيمة السوقية لم تتعد 100 مليار دولار في 1997، وأن المعدل السنوي لدوران السهم بلغ 0.10 عملية لكل سهم مقارنة بالمعدل السنوي لأسواق المال العالمية، البالغ 2.25 عملية لكل سهم. تعتبر سوق موسكو للأوراق المالية مثالاً يجب الحذر منه عندما يغض الاقتصاد الوطني الطرف عن وقوع حالات تعارض المصالح في العلاقات التجارية، من خلال تمكين أشخاص محدودين من الوجود في أكثر من موقع تشريعي وتجاري في آن واحد، سواء في الجمعية الوطنية للأسواق المالية الروسية أو شركات الوساطة المالية والشركات الصناعية المخصصة.
تقودنا تجربة الاقتصاد الروسي مع تعارض المصالح إلى النظر في واقع التبادل التجاري في المملكة من تعارض المصالح. فعلى الرغم مما سنته الأنظمة واللوائح المعمول بها في المملكة من منع تعارض المصالح، وكذلك جهود الجهات الرقابية وإلاشرافية في المملكة للحد من تعارض المصالح، علاوة على الخسائر المالية التي يتكبدها الشارع التجاري السعودي من وقوع حالات تعارض المصالح في العلاقات التجارية. على الرغم من ذلك فإن الواقع يقول إن نتائج ذلك لم تتعد نطاق شركة مساهمة واحدة، وفي أفضل الحالات عدد محدود من الشركات لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
فالمواد 69، 70، 71 من نظام الشركات وكذلك المادة 18 من لائحة حوكمة الشركات، تسعى إلى منع تعارض المصالح بإبطالها أي مصلحة تجارية تثبت حدوث تعارض للمصالح. وعلى الرغم من ذلك فإن البيئة التشريعية تسهم بشكل غير مباشر في تمكين عضو مجلس الإدارة من ممارسة تعارض المصالح، من خلال السماح له بأن يشغل عضوية مجلس إدارة خمس شركات مساهمة في آن واحد. وعلى الرغم من تدارك الأنظمة التجارية الصادرة حديثاً، التي من أهمها نظام الإيجار التمويلي، لهذه البيئة الخصبة بمحدودية العضوية في شركة تمويل واحدة فقط، إلا أن الطموح يذهب إلى أبعد من ذلك فيما سيصدر من أنظمة تجارية قريباً. طموح يطالب بأن تصل الجهود إلى منع حدوث تعارض مصالح في العلاقات التجارية على مستوى الوطن ككل، إقامة للعدل والمساواة في العلاقات التجارية، وحفظاً لقيم ومبادئ العلاقات التجارية، وصيانةً للأمن الاقتصادي الوطني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي