صناعة السيارات ... والمنشآت الصغيرة والمتوسطة
يعيد التاريخ نفسه كثيراً، لكنه يحتاج إلى من يلتقط أحداثه ليقارن بين ما جرى من تشابه بين أمس واليوم، فقد تختلف التصورات، والأحداث، والمواقف، وما شاكل، لكن الرؤية واحدة للجميع، وهي أن التاريخ يعيد بالفعل نفسه، وأنه مستمر في هذا الاتجاه منذ التوقيت الأول الذي أرخ لبداية حياتنا على هذه البسيطة الفسيحة حتى تأذن الأرض ومن عليها بالرحيل السرمدي.
انطلقت الصناعة النفطية في المملكة قبل خمس وسبعين سنة، وهناك كانت البداية يوم ولدت شركة ''أرامكو'' العملاقة السعودية، فقد كانت ''أرامكو'' تقوم بجميع المهام ولم تكن في المملكة أي بنية تحتية تخدم هذه الصناعة، كما لم يكن في خطط المسؤولين في تلك الفترة أن يقوموا بتوطين الصناعة والاعتماد على الكوادر الوطنية، كذلك لم يكن من الخطط أن نصدر التقنيات التي نخترعها في هذا الوطن الغالي، ومع كل ذلك - ولله الحمد - بدأت ''أرامكو'' تفعيل دور المصنع المحلي خلال السنوات العشر الماضية، وهو اليوم على غير ما كان عليه في تلك الفترة المذكورة.
وحتى لا يكون مصير صناعة السيارة حديث العهد، كما هي الحال مع الصناعة النفطية سابقاً، لنبدأ منذ الآن بوضع خطط واضحة المعالم، ويمكن قياسها، وتكون قريبة من الواقع، فلاشك أن صناعة السيارات يمكن أن تفتح معها أبواباً من العمل أمام آلاف مشاريع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، حيث إن هذه الصناعة تعتمد بشكل كبير على التعاون بين مجموعة من الموردين لمصانع السيارات، أو ما يعرف بسلسلة الإمدادsupply CHAIN.
وهنا يجب أن يكون لدينا اتحاد أو جمعية مصنعي السيارات، وواجب هذه الهيئة أو الجمعية جمع جميع مصانع السيارات ومصنعي معدات السيارات من إكسسوارات وقطع غيار السيارات تحت مظلة واحدة، وتقوم هذه الهيئة – كذلك - بمتابعة ماهية المواد المستوردة من الخارج – لا سيما التي تدخل في عملية تصنيع السيارات -، وعمل دراسات جدوى عن إمكانية توطين هذه الصناعة.
إن هذه الصناعة تعتم كثيراً على الاختراعات والإبداع، ولذا نحتاج أن يكون من ضمن أعمال هذه الهيئة عمل حاضنات داخل المدن الصناعية أو المدينة الصناعية المتخصصة في أعمال صناعة السيارات، وتوفر هذه الهيئة صناديق دعم للمنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تعمل في هذا القطاع، نحن نعلم أن هناك العديد من الصناديق المتوافرة في المملكة، ولكن ما يوجد الآن غير متخصص، وعلينا أن نسعى لخلق هذه الأمور لوضع الملامح الأساس لصناعة طالما حلمنا بها، وقطفنا بفرح أولى بواكيرها.
وحتى لا يكون هذا القطاع حكرا على الشركات الكبيرة فقط، يجب أن تقوم هذه الجهة بتسويق المشاريع التي يمكن أن يقوم بها قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة، كما نرغب من منها أن تهتم بتسويق منتجات المنتسبين لها خارج المملكة، ويجب أن نعتاد على التسويق الخارجي والفخر بالمنتج الوطني، كما نرجو أن تكون هناك شروط على الجهات الحكومية تحديداً، وذلك بأن تخصص مالا يقل عن ثلاثين في المائة من مشترياتها من المنتجات الوطنية، وفي هذا دعم للمنتج الوطني.
كذلك، فإن دور مراكز الأبحاث والتطوير مهم جداً في هذا القطاع، وهنا يجب أن نشهد تعاوناً كبيراً بين الجامعات وشركات صناعة السيارات، من المهم أن تصحو الجامعات من سباتها العميق وتبدأ القيام بدورها الفعلي في البحث والتطوير وليس مجرد تخريج الطلاب فقط، بحيث تكون مشاريع تخرج الطلاب من الجامعة يمكن أن تحل بعض المشاكل التي يواجهها المصنع، وإن ظهرت هناك مشاريع فاخرة، فيجب أن يكون حق الاختراع هذا بالمشاركة بين الطالب والجامعة.
أما المجتمع، فمن أجل ألا يضيع هذا الجهد يجب أن نتكاتف جميعاً لإنجاح هذه الصناعة، فعلى مستوى الفرد أن أحرص على شراء المنتج الوطني، ذلك أن الصناعة هي الحل لأغلب المشاكل الاقتصادية، فهي التي تقضي على البطالة، وتعزز القيمة الاقتصادية للدولة، وترفع مكانتها بين الأمم الأخرى.
نريد للتاريخ أن يعيد نفسه، ونحن نسترجع بفخر تجربة ''أرامكو''، لعلنا نسترجع بذات الفخر تجربة صناعة السيارات، ولو بعد حين من الدهر.