ثقافة إدارة اللحظة الراهنة !

بين طلابي في وقت الدرس أقبض على بعض من التمرد الذي يتبدى في ملامحهم من خلال شرود أو خروج عن السياق أو من خلال هروب من معطيات اللحظة المُلزمة إلى حديث عن ماضٍ لن نتمكن من الرجوع إليه لنغير ملامحه، أو إلى حديث عن مستقبل لن نتمكن من المضي نحوه ما لم نعبد إليه الطرق، سعياً منهم إلى استهلاك وقت اللحظة الراهنة بلا إضافة جديدة، وهي عادة متوارثة تنتقل من جيل إلى جيل عبر تربية وسلوكيات ومعاملات.

هذا المسلك يقع من طلابي وهم لا يشعرون أو بالأحرى وهم لا يقصدون - قطعاً - إنهاء وقت اللحظة الآنية عبثاً ولعباً، ولكنهم رأوا الآباء في البيت، والمعلمين في المدرسة، والأساتذة في الجامعة، والنخبة في وسائل الإعلام يفعلون ذلك ففعلوا إقتداءً بهم وسيراً على طريقهم في إدارة الوقت، إذ يرون تشتتاً جلياً تتنازعه ثلاث لحظات في وقت واحد، لحظة ماضية، ولحظة حالية، ولحظة قادمة، فيفتقد العمل الآني اللحظي إلى التركيز اللازم لإتمامه بإتقان واهتمام، وهو ما يترتب عليه هدر في أعز ما نملك وهو الوقت الذي يمثل الحياة دون نتيجة إيجابية ملموسة.

ما أقصده من التعايش الكمي والكيفي مع اللحظة الآنية لإتقان أعمالها على نحو مرضٍ، لا يعني بالضرورة التعامي عن أحداث وقعت في الماضي، أو التوقف عن التفكير في ملامح المستقبل، ولكن ما أرمي إليه هو أن لا تكون خبرات الماضي السيئة عائقاً يحول دون تحقيق الأهداف الراهنة، أو أن يكون القلق هو الديدن في التفكير للمستقبل بما يحجب الاستمتاع بمعطيات الوقت الماثل للتعامل، فذلك قتل للهمة والنشاط وكسر لشوكة الإرادة.

الذكاء الفطري يفرض تقبُّل الأحداث التي وقعت في الماضي بشيء من رحابة الصدر دون أن تتحول إلى محطة نتوقف عندها إلا للالتماس الدرس والعبرة، واكتساب الخبرة والمهارة في التعامل مع المواقف المشابهة مستقبلاً، أو يُنتهج التلصص الدائم على المستقبل بلا إتباع المسالك التي تؤدي إليه، ولعل محاربة الفراغ بالاشتغال بعمل ما ومحاولة التركيز فيه يقي العقل من التجول العشوائي في الماضي والقفز إلى المستقبل بلا ضرورة ولا مسوغ.

الشيء العجيب أن ديننا الجميل يُنمي لدي المسلم ملكة التركيز وهو يحثه على الخشوع عبر صلوات خمس تؤدى في اليوم والليلة، وكأن الصلاة وهي عماد الدين تعيد شحن بطاريات التركيز كلما استهلكتها حركة الحياة ليخرج المسلم عقب كل صلاة مفعماً بالهدوء والاستقرار النفسي والعضلي الدافعين إلى إتمام أعمال اللحظة الراهنة بشيء من التركيز.

بقيت في الجعبة بعض النصائح التي استخلصتها من تجارب حياتية وقد تكون دافعة نحو التركيز، أجملها في خمس نقاط مركزة:-
(1) يجب أن تحب عملك ليملأ عليك وقتك.
(2) أنفذ إلى أدق التفاصيل في مهامك وأحسن أداءها.
(3) رتب حقيبة عملك اليومي بإتقان.
(4) ارسم خطة تفصيلة أو «سيناريو» لعمل الغد وتخيل تنفيذها في وقت الفراغ.
(5) تصيد طريقة ما تؤدي إلى استمتاعك بعملك.

أمنياتي بأوقات مشحونة بالتركيز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي