شخصية عام 2012

شخصية عام 2012 غنية عن التعريف، فهي معنا وبيننا كل يوم وفي كل مكان تحافظ على جغرافيتنا الفكرية وتقاليدنا الموروثة.
شخصية العام أسهمت بشكل كبير في هروب 1400 فتاة خلال عام واحد في السعودية بسبب ارتفاع معدلات الطلاق وزيادة نسبة العنف الأسري والإهمال وسوء المعاملة النفسية للأطفال وسوء المعاملة الجسدية. ساند هذه ''الشخصية'' وتفاعل معها وعمل على إنجاحها الكثير ممن يؤمنون بإقصاء وازدراء حق المرأة والطفل في حياة كريمة اعتماداً منهم على الأهواء والعادات والأعراف والتقاليد المخالفة أصلاً لتعاليم الإسلام السمحة ومعانيه الإنسانية.
شخصية العام أسهمت في خوض المنافسات القوية في مهرجانات مكوكية لإبراز مواصفات جمالية عالية رفعت بورصة ثمنها لأغلى الأسعار. معايير الجمال التي يتم عن طريقها التصنيف حركت الاقتصاد الوطني من عمليات بيع وشراء لجميع فئاتها وأسمائها وألوانها وأصنافها الأصيلة فوصلت أسعارها لمئات الملايين وفاقت شهرتها سباق الفورمولا العالمية.
شخصية العام رسَّخت الانغلاق على الذات فأصابت الكثير من نساء الوطن بصدمات نفسية متتابعة. حتى بعد صدور الموافقة على اقتناء المرأة للهوية الوطنية، ما زالت بعض الدوائر الرسمية لا تعترف بها ككائن بشري حي قائم بذاته وقادر على التنفس. ما زال بعض القضاة يتعففون من النظر في بطاقة أحوال المرأة، بل قد يتعرضون لنوبة عصبية بنسبة 7 على مقياس ريختر إذا تسلم بعضهم البطاقة دون تغطية صورة حاملتها! هذا في الحالات العادية، أما في الحالات المستعصية فيأنف بعض القضاة من مطابقة هوية المرأة مع وجهها دفعاً للفساد ودرءاً للمفاسد التغريبية.
شخصية هذا العام ''لوبي'' متشدد منعنا من الاحتفال يإنجاز بطلتين خاضتا غمار المنافسات الأولمبية بهمة ونشاط وجدارة وتمت محاربتهما بشراسة وضراوة رغم ارتدائهما الحجاب الشرعي والاعتراف الضمني الرسمي بهما. انهالت عليهما بذاءات المتهورين – بأغلظ ألفاظ الاستبدالات المسيئة البلاغية - ممن يدعون حماية الفضيلة وكأن رياضة النساء أصبحت من الموبقات الأزلية. كل هذا بسبب المفاهيم الخاطئة لبعض الآيات القرآنية والأحاديث الضعيفة التي عُوملت المرأة بموجبها رغم بيان الله - عزّ وجل - في إعلاء شأن المرأة وحفظ مكانتها الإنسانية.
شخصية العام منحت المسؤول حق التمسك بالكرسي رغم حدوث عشرات الكوارث التي كان من الممكن تفاديها لو طبقنا مبادئ معايير السلامة في حياتنا اليومية. منحت هذه الشخصية المسؤول الحصانة ضد المساءلة الإدارية والقانونية حتى بعد تكرر هذه الحوادث مثل حرائق ''إدكو'' في الجبيل، ومبنى صحيفة ''الشرق'' في الدمام، وصهريج الغاز السيئ السمعة تحت جسر الموت في الرياض، وانفجار عبوة محلول كيماوي في مدرسة في صبيا عرضت 11 طالبة للاحتراق، واصطدام شاحنة بصهريج بنزين أدى إلى تسرب للوقود واشتعال الصهريج على طريق الجبيل-الدمام، واحتراق ناقلتي وقود أمام مدرسة للبنات في جنوب الرياض وغيرها من الحوادث المأساوية.
شخصية العام أوحت لجهابذة الفكر بعدم تحديد سن للزواج، ما نتج عنها استمرار تزويج القاصرات، وبالتالي المحافظة على أنماط متأزمة في أوضاعنا الإنسانية. هل تعلمون يا سادة أنه حسب الإحصائيات الرسمية تم تزويج 5622 فتاة سعودية وهن دون سن الـ14 عاماً؟ التعليل ''التقني'' هو أن تحديد سن للزواج لن يحل المشكلة، بقدر ما سيسفر عن مشكلات أخرى أشد ضرراً! الاختلاف في الرأي لن يفسد في الود قضية، لكن أن نمتنع عن تحديد سن الزواج فهذا تعصب في غير محله وجمود فكري، بل كارثة أخلاقية.
شخصية العام تدفع بعض التيارات للتقوقع والدفاع عن مواقفهم المتشددة في التميز عن الآخرين والتشكيك في كل ما هو جديد. تغالي هذه التيارات في محاولات يائسة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لدرجة أنها تقف حجر عثرة أمام من تريد مزاولة حقها في التنقل رغم عدم وجود نظام رسمي محدد يمنعها من هذا الحق. مع الأسف البديهيات في حياة المرأة السعودية مغيبة بسبب التقاليد والأعراف والموروثات الاجتماعية. التبريرات المكررة هي أن الوقت غير مناسب أو أن المناخ غير صالح حالياً للتغيير. لهذا السبب نصف المجتمع معاق في تحركاته وما زال الواقع الاجتماعي للمرأة السعودية بعيداً عن الانفتاح والمرونة واحترام الحرية الشخصية.
شخصية العام ''كارتيل'' يحارب الحراك الإصلاحي – وأول من استعمل مصطلح الإصلاح الملك عبد الله - حفظه الله – بدعوى أن الإصلاح سيقودنا للتغريب من منطلق عدم الثقة في كل ما يأتي من الخارج. البديل هو التشدد والمغالاة والتمسك بالأعراف ومحاربة كل ماهو ''دخيل'' على الموروثات الاجتماعية، لكن في الوقت نفسه يرتدي من يعارض الإصلاح عند سفره بذته الإيطالية ويقود هنا سيارته الأمريكية، ويشاهد الأفلام في جهاز التلفاز الياباني بما فيها المسلسلات المكسيكية، ويأمر بإحضار الشاي من خادمته الإندونيسية بينما تقوم برعاية أطفاله المربية الفلبينية.
شخصية عام 2012 تعطي المسؤول الوجاهة لتدشين موقع إدارته الإلكتروني بالبشت ثم يلتفت لكاميرات التلفزيون ليحرم الإنترنت، تعطيه الحق لتشجيع التعليم ثم يعترض على الابتعاث للجامعات الغربية، تكاد تدمع عيناه عند الحديث عن السعودة والوطنية ثم يمنع توظيف النساء في محال المستلزمات النسائية، يعتلي المنابر لينادي بالعدل والفضيلة ثم يشارك في تزوير الشهادات والصكوك الشرعية.
عرفتم من هي شخصية هذا العام طبعاً؟ ''الخصوصية'' بالتأكيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي