هواية الغرقِ في بَحْرِ القشور !

ماذا نقول عمن ذهب ليعُدَّ قطرات المطر، أو ليُحصي ذراتِ الحجر؟!.. نقول جهراً، مُبددٌ للوقت والجهد، ومعتلُّ في القصد، ونقول سراً، مجنون تقاذفته الأوهام في بحور عاتية لا شواطئ لها!.

ما سبق من إجابةٍ سيكون رد فعل الأكثرية، لأن العقل والمنطق يقرران ذلك، فإن كان العقل قد أصدر قراره السابق في شأن فرد شذ عن حدود المألوف والمعتاد واستغرق في يمِّ التفاصيل، فماذا لو سقط قطاع كبير من المجتمع في ذات الحالة المَرضية؟!.. ستكون الطامة عامة، والمصيبة أكبر!.

نعم، ليس عجيباً أن تحيا المُجتمعات فترات من الزمن في حالة من التسطيح حين ينصبُّ اهتمام النُخب على القشور دون الجذور، فيجرون أنفسهم والمُتابِعين إلى دوامة البحث عن التافه والمجهول، فيضيع الوقت في كرٍّ وفرٍّ، وتنظير عقيم وتأطير مُمل، والمُحصلة خلق بؤر جدلية تتشكل تدريجياً على صعيد الرأي العام، لا تفضي إلا إلى تلاسنٍ وتراشقٍ وتعاركٍ، والوطن هو الذي يدفع الثمن!.

أجدُ القلم يتجه مباشرة صوب حالتنا المصرية ليتلمس مدى انطباق ذلك الوصف عليها، وهو في امتحان للحيادية والشفافية بعد أن نذر مداده ليكون من أجل مصر، لا من أجل زيدٍ أو عمر!، أقول، إنّ المشهد الراهن يُفصح على وجه لا يقبل الجدل عن درجة عالية من الشك والريبة، قادت الكبير والصغير إلى الإمعان في نظم التفاصيل حول أمور لا تحتمل أو لا تستحق، لأن منظار التوجس مُسلط على كل إيماءة وكلمة، وشبكة لتصيد الأخطاء منصوبة في كل مكان، فأني لمجتمع هذا شأنه أن تنتصب له قامة أو ترتفع له هامة؟، وكل يتربص بالآخر، وكل يتصيد للآخر، وكل يمارس لصق الأكاذيب والافتراءات بالآخر، على نحو شكل غابة متشابكة من «اللكلكة» في وسائل الإعلام المشاهدة والمقروءة، لم ينشأ لها نظير في تاريخ مصر الحديث!.

بنو إسرائيل أصابهم التيه في الأرض أربعين سنة، لأنهم كانوا قوم جدل ومراء، فأفنى الدهر منهم جيلاً كاملاً قبل أن يجدوا أنفسهم، والمصريون معرضون لنفس المصير، لأن السنن البشرية تمضي على الجميع، ما لم يستيقظوا من مرض الاستعراض المرضي القميء في الفضائيات والصحف، فهم يخسرون بالتمرغ في مستنقعات «الهيافة»، وقنوات وصحف ومواقع تغذي هذه الحماقة تحقق من وراء تنابذهم شهرة ومليارات ومراكز متقدمة، بعد أن صارت برامج «التوك شو»، وعناوين الصحف الالكترونية والورقية مادة للتسلية أو السخرية وما أروعها من مادة للمشاهدة والتصفح لدى سذج وحمقى، وما أكثرهم!.

لقد آثرتُ أن تكون كلمات المقال وجيزة لتصل الرسالة من أقرب طريق نحو قلوب تحب مصر، وتعرف قيمة مصر، فبلد كرَّمها الله بالذكر في القرآن العظيم لجديرة بأن نصونها في أقولنا وأفعالنا، وفي سرنا وجهرنا.

وإنني لأقدم شكراً جمَّاً وأحمل في قلبي تقديراً عميقاً، لكل عربي أبي، نَظَمَ القوافي وكتب الروائع دفاعاً عن مصر وحباً في مصر، وهي تمر بهذا الظرف الدقيق، هم ملء العين والقلب، لأنهم اقتدوا بأخلاق الله وأخلاق رسوله وهم يتكلمون عن مصر.. مصر التي فوق الأشخاص والمواقف.

بقيت همسة :

للذين يقولون بأن مصر دولة أفريقية فقط، ألا تعلمون أن سيناء العزيزة تقع في قارتكم؟، وألا تعلمون أن كثيراً من سكانها من الجزيرة العربية؟، وألا تعلمون أن أكثر من 30% من سكان الوجه القبلي جذورهم ترجع إلى عرب من الجزيرة العربية؟.. لن أعدد دلالات ذلك، فأنتم أذكى من هذا الاستنباط!.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي