النظر للمصلحة العامة من ثقب الباب
عندما نتكلم أو نعمل في الشأن العام أو المصلحة العامة، فإن الأمر يتطلب الفهم العلمي والعملي لهذا المصطلح أو الشأن، والفهم هنا يتطلب توسيع حدقة العين حتى تستطيع أن ترى الصورة الكاملة المرتبطة بالقرار المطلوب اتخاذه، وغالبا نحضر المصلحة العامة ونحرص على العمل على تحقيقها، لكن يغيب عنا أن هذه المصلحة العامة تتطلب مشاركة العامة أو الجميع، والجميع أو العامة هنا تعني مختلف الشركاء المؤثرين والمتأثرين بأي قرار سيؤثر في عملهم بالإيجاب أو السلب.
إن المتابع للشأن العام وما يرتبط به من قرارات وأعمال لا يشكك أبدا في حسن نية العاملين على تلك القرارات، وأن هدفهم تحقيق المصلحة العامة، والتشكيك في الذمم أو النوايا أمر غير حميد ويقود إلى حوارات تهمش الرأي والرأي الآخر، لأنها تنطلق من مواقف سلبية مسبقا في موقف الطرف الآخر، وهو ما أعلم أنه غير صحيح وأن الخلل الصحيح هو عندي الفهم السليم لمفهوم المصلحة العامة، هذه المصلحة التي لا تستطيع جهة واحدة أن تحددها أو أن تقرر فيها في ظل غياب الرؤية والعمل الجماعي من مختلف قطاعات الدولة، سواء الجهات الحكومية أو الخاصة أو المجتمع أو الإعلام أو القطاع الأكاديمي، وهذا الغياب هو ما يجعل عملنا محدود الرؤية والنظرة ويصبح صاحب القرار كمن يرى من خلال فتحة الباب فلا يرى سوى مشكلة جهازه، وبناء عليه فإن ما يقدمه من حلول هو لمعالجة المشكلة دون استيعاب الأثر السلبي في بقية القطاعات أو المصالح العامة أو الخاصة.
إن ثقافة أو إدارة النظر من ثقب الباب في معالجة مشاكلنا الكبيرة أو الصغيرة هي نظرة قاصرة دائما تقودنا إلى الصدام والاختلاف وتمنع الكثير من قراراتنا من رؤية النور أو أنها تراه لكن من خلال ثقب الباب أيضا وهي نظرة أو رؤية لا تحل المشكلة لكنها تخلق مشاكل ارتدادية كثيرة تزيد من تعقيد الأمور وتجعل من الحلول اللاحقة عبارة عن إبر مخدرة تؤجل العلاج الناجح وتزيد من مساحة وحجم الألم وتسبب في صعوبة علاجه مستقبلا.
إن فهمنا الصحيح لمفهوم المصلحة العامة وأنها تعني إعطاء المساحة الواسعة والعريضة للجميع للمشاركة في الحوار والنقاش والطرح وتبادل الآراء حول الهم أو المشكلة أو القضية المطلوب علاجها، سيوفر علينا الكثير من الجهد ويقلل عنا تبادل الاتهامات التي تتجاوز الموضوع إلى الشخصنة والذمم والنوايا ثم تتحول إلى حرب معلنة وغير معلنة تستخدم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة من أجل إثبات الرأي والموقف من القرار، وهو ما يؤدي إلى المزيد من الفجوة بين الجميع، وهذه الفجوة تصبح مدخلا للإساءة لكل جهد وإنجاز كما أنها تؤدي إلى إضعاف الانتماء الوطني خصوصا بين الشباب في ظل وجود وسائل الاتصال المجتمعي التي أضعفت من مصداقية الخبر لأنها أصبحت تنقل كل الآراء والمواقف والأهواء وأصبحت طريقا سالكا لكل من يرغب التشويش على الإنجاز والعطاء.
إن عدم إلمامنا أو فهمنا أو إدراكنا أهمية النظرة الواسعة والشاسعة ومشاركة الجميع عند الرغبة في اتخاذ قرار سوف يزيد الفجوة بيننا ويصعب من فهمنا وإدراكنا للمصالح العامة، ولهذا فإن الاهتمام بالحوار والنقاش والعصف الذهني الجماعي والعمل من خلال النظرة المؤسسية التي تراعي رغبات وتطلعات الجميع وتعزز من النظرة والرؤية الشاملة المحققة للمصالح وتنطلق من المفهوم السليم للتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى الذي يشارك الجميع في صنعه وتنفيذه وتطويره وحمايته.
حتى أقرب الصورة الذهنية للجميع، آمل من كل من يقرأ هذا الطرح أن يترك كرسيه ويذهب لأقرب باب أمامه ثم ينظر من ثقب المفتاح ثم ينظر هل يستطيع أن يرى كل ما بداخل الغرفة أو فقط يرى جزءا بسيطا منها، هذا الجزء البسيط الذي يراه هو المشكلة التي يحاول أن يعالجها وباقي الغرفة التي لا يراها هم شركاؤه المتأثرون من القرار الذي سيتخذه، ولهذا دعونا نفتح أبوابنا للحوار السليم وللتخطيط الاستراتيجي طويل المدى ونترك عنا نظام طفاية الحريق اليومية، بارك الله في الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد، وعالمي الطموح.
وقفة تأمل:
يقول الإمام الشافعي - رضي الله عنه ''من يظن أنه يسلم من كلام الناس فهو مجنون، قالوا عن الله عز وجل ثالث ثلاثة، وقالوا عن نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - ساحر ومجنون، فما ظنك بمن هو دونهما''.