الاتحاد الخليجي والصندوق السيادي

''تتبنى الدول الأعضاء السياسات اللازمة لتحقيق مسيرة تنموية متكاملة لدول المجلس في كافة المجالات، وتعميق التنسيق بين الأنشطة التي تتضمنها خطط التنمية الوطنية، بما في ذلك تنفيذ ''استراتيجية التنمية الشاملة بعيدة المدى لدول مجلس التعاون''. هذا نص المادة السابعة، ''التنمية الشاملة''، من الفصل الرابع، ''التكامل الإنمائي''، من الاتفاقية الاقتصادية الخليجية الثانية المقرة من المجلس الأعلى في دورته الثانية والعشرين التي عقدت في العاصمة العمانية مسقط قبل 11 عاما. وكان من أهم المبادرات في هذا الجانب تأسيس مجلس الوحدة النقدية. وعندما يسير الطموح حسب المأمول نحو ظهور الاتحاد الخليجي، فإن المنظومة الجديدة تستأنس إنشاء صندوق سيادي تدخر فيه حكومات دول الخليج جزءا من عائدات جيل اليوم إلى احتياجات جيل الغد.
فالصندوق السيادي هو صندوق استثماري مملوك للدولة لإدارة استثماراتها الناتجة عن فائض ميزان مدفوعاتها، أو احتياطي عملاتها الأجنبية، أو عائدات تخصيص قطاعاتها العامة، أو فائض ميزانيتها العامة، أو عائد صادراتها، أو أي مصدر مالي ترى الدولة توجيهه نحو الصندوق لحفظه وتنميته. تربو أصول الصناديق السيادية الخليجية على قرابة 1.700 مليار دولار موجودة في أكبر عشرة صناديق سيادية خليجية - حسب التصنيف الأخير للمعهد الأمريكي للصناديق السيادية.
يشير التصنيف إلى تربع جهاز أبوظبي للاستثمار على قائمة أكبر الصناديق السيادية في العالم والخليج بأصول تقارب 627 مليار دولار، فمحفظة ممتلكات مؤسسة النقد العربي السعودي رابعا عالميا، وثانيا خليجيا بأصول تقارب 533 مليار دولار، فهيئة الاستثمار الكويتية سادسا عالميا وثالثا خليجيا بأصول تقارب 296 مليار دولار. ثم يأتي بعد ذلك جهاز قطر للاستثمار في المرتبة الثانية عشرة عالميا والرابعة خليجيا بأصول تقارب 85 مليار دولار، فشركة دبي للاستثمار في المرتبة الرابعة عشرة عالميا والخامسة خليجيا بأصول تقارب 70 مليار دولار، فشركة أبوظبي للاستثمارات البترولية الدولية في المرتبة السادسة عشرة عالميا والسادسة خليجيا بأصول تقارب 58 مليار دولار، فشركة مبادلة للتنمية الإماراتية في المرتبة السادسة والعشرين عالميا والسابعة خليجيا بأصول تقارب 27 مليار دولار، فشركة ممتلكات القابضة البحرينية في المرتبة الخامسة والثلاثين عالميا والثامنة خليجيا بأصول تقارب تسعة مليارات دولار، فصندوق الاحتياطي العماني في المرتبة السادسة والثلاثين عالميا والتاسعة خليجيا بأصول تقارب ثمانية مليارات دولار، وآخر العشرة خليجيا صندوق الاستثمارات العامة السعودي في المرتبة التاسعة والثلاثين عالميا والعاشرة خليجيا بأصول تقارب خمسة مليارات دولار.
وعلى الرغم من التباين في الأهداف الثانوية بين هذه الصناديق السيادية، إلا أن أهدافها الرئيسة عادة ما تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، وتنمية مدخرات الأجيال، وتقليل الانعكاسات السلبية لتذبذبات أسعار النفط على العملية التنموية الخليجية، ومعالجة العجز في الميزانيات العامة الخليجية. أهداف سامية وحقوق مشروعة لدول واعدة تشهد اقتصاداتها السياسية تطورات سياسية وعسكرية وأمنية مستمرة منذ ثلاثة عقود حتى اليوم. أهداف سامية وحقوق مشروعة، لكنها لم تثن عددا من الجماعات السياسية الأمريكية والأوروبية بأن تبدي وجهة نظرها في أن هذه الصناديق ما هي إلا أداة سياسية عوضا عن أداة تنموية. جسّدت وجهة النظر هذه في دراسة صدرت منتصف العام الماضي في مجلة علمية أمريكية مرموقة تسمى مجلة العلوم المالية هدفت إلى التحقق من الأهداف الاستثمارية للصناديق السيادية ومدى استقلالية قراراتها الاستثمارية عن التأثير السياسي لدولها المالكة لها.
اعتمدت الدراسة في تحليلاتها على مجموعتين من البيانات. الأولى بيانات استثمارية لمعلومات 900 صفقة استثمارية أجرتها الصناديق السيادية خلال الفترة من 1984 إلى 2009. والثانية بيانات سياسية لمعلومات تطورات حق التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ تأسيسها حتى 2009. انتهجت الدراسة بعد جمع هذه البيانات أسلوب الربط التسلسلي بين كل صفة من الصفقات الـ900 مع تطورات التصويت على قرارات الأمم المتحدة على كل من الدول المالكة للصندوق السيادي والدولة المستقطبة لاستثمارات هذا الصندوق السيادي. خرجت الدراسة بمجموعة من النتائج منها أن العلاقات الثنائية السياسية تسهم في تحديد وجهة استثمارات الصندوق السيادي، لكنها لا تسهم في تحديد حجم هذه الاستثمارات. والنتيجة الثانية أن الصناديق السيادية تفضّل الاستثمار في الدول التي ترتبط مع دولها المالكة لها بعلاقات ثنائية سياسية متواضعة عوضا عن علاقات ثنائية سياسية متينة. والنتيجة الثالثة أن الصناديق السيادية تسهم في توطيد العلاقات الثنائية السياسية بين الدول المستقطبة لاستثماراتها والدول المالكة لها. والنتيجة الرابعة أنه عندما تكون العلاقات الثنائية السياسية بين الدول المالكة للصناديق السيادية والدول المستقطبة لاستثمارات هذه الصناديق علاقات متينة فإن تأثير الصناديق السيادية في توطيد متانة العلاقة الثنائية السياسية يكون محدودا جدا. بمعنى آخر: إن الصناديق السيادية تؤدي دور الممهد نحو توطيد العلاقات الثنائية السياسية بين الدول المالكة للصناديق السيادية والدول المستقطبة لاستثمارات هذه الصناديق.
أوصت الدراسة بناء على هذه النتائج بتوصيتين للدول المستقطبة لاستثمارات الصناديق السيادية. التوصية الأولى أهمية أن تعيد هذه الدول النظر في مساحة التسهيلات الممنوحة للصناديق السيادية. والتوصية الأخرى أهمية أن تتعامل هذه الدول بسياسة مستقلة لكل صندوق سيادي على حدة يكون الفيصل فيها درجة متانة العلاقات الثنائية السياسية مع الدول المالكة للصناديق السيادية.
تقودنا هذه التوصيات إلى النظر في مستقبل الصناديق السيادية الخليجية في ظل تطورات الاقتصاد السياسي الخليجي ومستهدفاته الطموحة. فأحد أهم التحديات في هذا الجانب تحدي إدارة عائدات النفط في ظل تذبذب أسعار النفط وانعكاسات هذا التذبذب على العملية التنموية الخليجية. وبما أن الصناديق السيادية الخليجية أثبتت متانة دورها في رفد الاقتصاد العالمي خلال أزمته الأخيرة. وهذا الدور لا بد له أن يواجه مجموعة من الرياح الهادفة إلى تعطيل نموه وازدهاره. دور من الأهمية توطيده بما يمكنه من الاستدامة في دعم العملية التنموية الخليجية. وأحد روافد توطيد هذه المكانة والنظر في الجدوى التنموية الخليجية لإنشاء صندوق سيادي خليجي تدخر فيه حكومات دول الخليج جزءا من عائدات جيل اليوم إلى احتياجات جيل الغد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي