هدنة بين هيئة مكافحة الفساد وبلدية عنيزة

قرار مجلس الوزراء يوم الإثنين الماضي 2 ربيع الأول 1434هـ (14 يناير 2013) بالموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم (58/4) وتاريخ 31/10/2003م جاء في الوقت المناسب. مجلس الشورى ناقش هذا الموضوع منذ عام 1426هـ وأصدر قرارين مهمين رقم (83/69) وتاريخ 26/1/1426هـ ، ورقم (74/35) وتاريخ 8/7/1431هـ قبل إنشاء هيئة مكافحة الفساد.
ألخص هنا أهم ما جاء حول موضوع الفساد والسبل المتبعة للقضاء عليه في بعض الدول كما ورد في ''منتدى الشفافية''، في محاولة للسعي الجاد للتخلص من هذه الآفة الاجتماعية البغيضة.
من أولويات خطة الطريق للتعرف على أصل المشكلة دراسة مواطن الخلل في الأنظمة والإجراءات التي تؤدي إلى غياب الشفافية وانتشار الفساد واقتراح تعديلها. تم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في السعودية بالأمر الملكي رقم أ/65 وتاريخ 13/4/1432هـ ضمن عدة خطوات إصلاحية أخرى وترتبط مباشرة بخادم الحرمين الشريفين وتم تعيين محمد عبد الله الشريف رئيساً لها . تهدف الهيئة في نظامها الأساسي لمكافحة الفساد الحكومي ورصده، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال التام ماليا وإداريا بما يضمن لها مباشرة عملها بكل حياد ودون تأثير من أي جهة كانت، وليس لأحد التدخل في مجال عملها.
هذا من الناحية النظامية الرسمية، إلا أن دور المجتمع مهم جداً ولهذا وجب التأكيد على أن الدور الشعبي في مكافحة الفساد مطلوب ويعتبر رافدا مهما، حتى مع وجود قطاعات حكومية وهيئات متخصصة في مكافحة الفساد كما هو الشأن في حقوق الإنسان وغيرها من البرامج الاجتماعية والاقتصادية. كذلك فإن من أولويات خطة العمل تأسيس ثقافة علمية حول الشفافية والإصلاح ونظم مكافحة الفساد، وتشجيع جهود القطاعين العام والخاص على تبني خطط وبرامج توعوية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد ومتابعة تنفيذها وتقويم نتائجها.
التواصل الإيجابي مع الجهات الرقابية من الأجهزة الحكومية (ديوان المراقبة العامة، هيئة مكافحة الفساد، مجلس الشورى) مهم جداً، على أن يكون مقترناً بالعمل مع الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني على تنمية الشعور بالمواطنة وبأهمية حماية المال العام والمرافق والممتلكات العامة، بما يحقق حسن إدارتها والمحافظة عليها. كذلك فإن سبل التعامل مع الأنظمة الحالية في ترسية المناقصات وآليات عقود الباطن لن تجدي نفعاً إذا لم تتم بشفافية ومصداقية في الدوائر والمؤسسات والشركات الحكومية.
قد يكون من المفيد إيراد تفاعلات الشفافية ومكافحة الفساد في الدول المختلفة كما وردت في ''منتدى الشفافية''.
التجربة الماليزية أكدت ضرورة الفصل بين الوزارات وإدارة التنفيذ، حيث يتولى التنفيذ في الغالب هيئات ومؤسسات منشأة بقوانين محددة. الهدف من ذلك تفريغ الوزارة من سلطة التنفيذ وإزالة سبب ما يمكن أن يترتب عليه من فساد، ولا يبقي للوزارة إلا التفكير الاستراتيجي للمديين المتوسط والبعيد. كذلك تسعى التجربة الماليزية للحد إلى أكبر قدر من تعامل الموظفين بالمال (الكاش)، وبالتالي فإن الموظف لا يرى المال إنما يرى الأرقام فقط لأن التقليل من لمس الموظف المال يوفر الجهد والوقت ويقلل من الفساد. السعودية بدأت بتطبيق هذا المبدأ، فالرسوم والغرامات تدفع إلكترونيا.
أما في سنغافورة فقد أعطت الأنظمة أعضاء هيئة مكافحة الفساد سلطات واسعة في الكشف عن الجرائم، وتشمل هذه السلطات مراقبة التغييرات التي تطرأ على حياة الموظفين وإمكانية الاطلاع على حساباتهم المصرفية. بمعنى آخر، لا وجود للسر المصرفي في هذا المجال، حيث تم تغليب متطلبات فاعلية مكافحة الفساد على متطلبات حماية الخصوصية الفردية.
لا أعلم أين وصلت هيئة مكافحة الفساد في السعودية في مرحلة جمع المعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بالفساد، وتصنيفها، وتحليلها، وبناء قواعد بيانات وأنظمة معلومات خاصة بها كما جاء في تنظيمها الأساسي. من الضروري والمهم أن تتعاون الجهات الرقابية المختصة مع الهيئة في مجال عملها – في شأن أي استفسار أو إجراء – بما يحقق تكامل الأدوار واتساقها في سبيل تنفيذ اختصاصات كل منها المتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد. من هذا المنطلق قد يكون من المفيد أن تعجل هيئة مكافحة الفساد بتأسيس إدارة خاصة للرصد والإحصاء والقياسات تعمل على إنشاء وصيانة قاعدة معلومات موثقة ربما بالتعاون مع مركز المعلومات الوطني والجهات المعنية الأخرى.
على أرض الواقع، آخر ما استجد في مجال عمل هيئة مكافحة الفساد هو التراشق الحاد بين الهيئة وبلدية عنيزة. الهيئة أعلنت اكتشاف ممارسات تلاعب واختلاس وتزوير واستغلال النفوذ، وتبديد للأموال العامة من بعض موظفي البلدية. وبدورها تعتقد البلدية أن عمل الهيئة ''مجرد إحالة القضايا إلى الجهات المعنية وأنها لا تملك إصدار قرار كفّ يد أو عقاب أي موظف.''بعد اطلاعي على حيثيات ''التراشق الإعلامي'' بين الجهتين، تأكد لي أن الهيئة جادة في الكشف عن ممارسات الفساد ونشرها، وملاحقة مرتكبيه بكل الوسائل النظامية الممكنة.
آمل أن يتعادل الفريقان في مباراة ''بلدية عنيزة'' و''هيئة مكافحة الفساد'' .. كيف؟ أن تُفَعِّل الهيئة أهدافها بنشر تفاصيل السرقات والرشا واستغلال النفوذ والتزوير والاختلاسات والإثراء غير المشروع وحماية الشهود والمبلغين عن أفعال الفساد، وأن تنجح بلدية عنيزة - وغيرها – في جهودها في الرقابة الذاتية والقضاء على الفساد في عقر دارها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي