آراء في «أرامكو»
وصلتني عشرات التعليقات على مقالي ''أرامكو ليست فوق القانون''، منها المتزن المؤيد للشركة أو الكاتب، ومنها ما يطعن في أحد الطرفين أو كليهما ولا يصح ذكره هنا في صحيفة رصينة يتمتع قراؤها بالحس الأدبي العالي.
التعقيب الأول جاء من المهندس عثمان الخويطر. بداية أرفع عقالي احتراماً لأسلوب المهندس الخويطر الراقي رغم اختلافي معه في المضمون، خاصة اقتراحه بأن ''أرامكو السعودية'' تتميز بأنها مؤسسة ''متكاملة'' وأنها فوق الشك والريبة. وكما طلب مني المهندس الخويطر بِرقِيهِ المعهود ألا أعتبر كلامه نقداً، بل هو شيء من التوضيح، فأنا أرجو منه المعاملة بالمثل، ولا سيما أنني أيضاً من المتابعين لتغريداته الماتعة في ''تويتر''.
يؤكد الخويطر في تعقيبه أن متهما واحداً معروفا سلفا كان متورطا في قضية الرشوة الشهيرة واتخذت الإجراءات بشأنه قبل نشرها في الصحف. يعلم المهندس الخويطر جيداً – وهو نائب رئيس سابق في الشركة – أن صنع القرار في ''أرامكو'' ''المتكاملة'' ليس من صلاحيات موظف واحد، بل يمر بمراحل عدة ويتطلب موافقة لجان تنفيذية عدة. كما يعلم المهندس الخويطر جيداً أن تعميد صرف ألف ريال يتطلب تواقيع عدة وتدقيقا صارما في الشركة، فما بالكم بموظف واحد أخذ رشوة بمبلغ 100 مليون للموافقة على عقود للشركة؟ كما يناقض المهندس الخويطر طرحه بالقول في جزئية أخرى في مقاله إن ''نظام وتركيبة الشركة جعل من كل إدارة فيها رقيبا على الدوائر الأخرى، بحيث لا تنفرد إدارة بعينها بالقرار وحدها''. طبعاً لا أزيد.
أما التعقيب الثاني فجاء من زميلنا في جمعية الاقتصاد السعودية صالح اللحيدة، وهو يعكس وجهة نظر عشرات الردود التي تلقيتها التي طالبت أن يكون رد الخويطر حيادياً عوضاً عن ''المديح والتزكيةٍ المفرطة'' كما ذكر. يعرج اللحيدة على معلومة لم أتمن ذكرها لعدم تأكدي من صحة مصادرها، وهي عن سرقات لموجودات ومعدات ''أرامكو''. اللحيدة لم يتهم أحداً بعينه ولم يشكك في أحد، لكنها – كما ذكر اللحيدة - طبيعة بعض البشر ولو لم تكن هكذا لما نزلت في القرآن، والسنة النبوية أحكام السرقة، والشفاعة، والأمانة، وغيرها.
الزميل خلف الحربي كان أكثر وضوحاً حين ذكر في مقال قديم له أن ''فضيحة الرشوة أثبتت أن ''أرامكو'' ما هي إلا معقل بيروقراطي تقليدي، حيث لم يظهر أي مسؤول كبير في ''أرامكو'' ليواجه وسائل الإعلام ويشرح حقيقية الأمر، بل اكتفت بإصدار بيان غامض يتحدث عن موظف غامض ومفصول مع وعد أكثر غموضا بتحقيق داخلي لن يعرف نتائجه أحد''.
الرأي ذو الصلة الذي اخترته لكم مقتبس من مقال قديم في صحيفة ''الشرق'' للدكتور عبد العزيز الدخيل، وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني سابقاً، قال فيه إنه ''يمكن القول إن ''أرامكو'' وما في حكمها وحجمِها من مؤسسات الدولة ووزاراتها، تتصرف عادةً تجاه المواطن وحقوقه بصفة الخصم والحكم، فهي تبدو وكأنها فوق القانون، أو أن القانون لا يستطيع الوصول إليها.'' وهذا بلا شك تصور آخر لعلاقة القانون بـ ''أرامكو''.
ويقترح الدكتور الدخيل في مقال سابق آخر له بعنوان ''أرامكو والفساد'' أنه من باب ''الوقاية خير من العلاج''، فإن على الحكومة السعودية المباشرة في ''فك أوصال هذا الجسم الضخم المسيطر على قطاع النفط والغاز السعودي - شركة أرامكو السعودية - وفصل ملكية الثروة البترولية ووضعها تحت هيئة وطنية للنفط (الهيئة الوطنية للنفط) يكون لها مجلس محافظين من المواطنين وأهل الاختصاص المشهود لهم بالنزاهة والأمانة والمعرفة بشؤون النفط وإدارته''. وأما الرأي الأخير فهو للدكتور عبد الله الفوزان في مقاله في صحيفة ''الشرق'' حيث أكد أن ''أرامكو السعودية'' فيما يبدو خارج نطاق المتابعة والمراجعة.
سواء اتفقنا أو اختلفنا مع هذه الآراء، أكرر ما ذكرته سابقاً أننا عندما ننتقد أداء مؤسسة حكومية أو أهلية فنحن نؤدي واجباً وطنياً من أجل التصحيح وليس التجريح.
وكفانا بعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مثالاً حين قال: «رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي».