ألمانيا ووهم الذهب

لقد بدأ الذهب الألماني يتحرك. فللمرة الأولى منذ أصبحت معاملات الذهب الرسمية أكثر شفافية، يصدر البنك الألماني المركزي تصريحًا بأن قسمًا كبيرًا من أرصدته سيتم نقلها إلى الديار من فرنسا والولايات المتحدة. وهذا في ظاهر الأمر ليس أكثر من مجرد مسألة تتعلق بتنظيم الممتلكات النقدية وإدارتها، لكن لماذا الآن؟
أحد الاحتمالات هو أن صناع القرار السياسي الألماني يعتقدون أننا نقترب من سيناريو ''كل دولة مسؤولة عن نفسها'' - وأن الذهب الذي يتمتع بالحماية في الداخل هو وحده الذي يحمل أي قيمة.
غير أن هذا أمر بعيد الاحتمال تمامًا. فالعالم الذي تنهار فيه الثقة المالية تمامًا بين ألمانيا وفرنسا أو ألمانيا والولايات المتحدة هو عالم، حيث نواجه مشاكل أكبر كثيرًا من أين يقع رصيد دولة ما من الذهب. فستنهار التجارة الدولية، وتناضل الشركات العالمية من أجل بيع منتجاتها. إن الاحتفاظ بمزيد من الذهب في الداخل، بدلاً من استبقائه في خزائن بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، لن يكون مفيدًا لا هنا ولا هناك في مثل هذه الحالة.
هل تتصور ألمانيا أن أرصدتها من الذهب ستكون عُرضة لعقوبات أو شكل ما من أشكال المصادرة - كما يحدث أحيانًا للدول المارقة؟ مرة أخرى، هذا تصور غير معقول على الإطلاق. فدول مثل إيران وفنزويلا تعمل جاهدة ولفترة طويلة لكي تصبح منبوذة على المستوى الدولي. أما ألمانيا فهي على النقيض من هذا دعامة أساسية للعالم الديمقراطي. ولن تتبدل هذه الحقيقة.
ولكن نقل ذهب ألمانيا لن يفيد إلا بالكاد في هذا الصدد. وما من شأنه أن يساعد هو تحويل عملية اليورو - بمعنى إقناع المستثمرين بأن العملة المشتركة لديها مستقبل مشرق؛ لأنها ترتكز على اتحاد نقدي وضريبي ومالي وسياسي أكثر قوة. وعندما ننظر إلى الأمر من هذه الزاوية، فإن الحديث حول الموقع المادي للذهب ليس أكثر من إلهاء بحت.
ويبدو الأمر وكأن النخبة السياسية الألمانية تتصور أنها عادت إلى عصر معيار الذهب. ولكن حتى في ذلك الوقت، كان المهم في الأمر هو كم الذهب الذي تمتلكه - وليس أين يتم تخزينه بالفعل.
ويتلخص التخوف الأكثر تحفيزًا لهؤلاء الساسة في احتمالات التضخم. ولكن التخوف الحقيقي ليس التضخم في حد ذاته - بمعنى أن الأسعار قد ترتفع بمعدل مذهل هذا العام أو الذي يليه. بل إن الخوف هنا يدور حول احتمال مفاده أن البنوك المركزية لن تستشعر قدوم التضخم إلى أن يفوت الأوان، وأن هذا قد يؤدي إلى تحول كبير صاعد لتوقعات التضخم.
ومرة أخرى، لن يفيد نقل الذهب في الإبقاء على التضخم تحت السيطرة أو تغيير سلوك البنوك المركزية. فقد انفك الارتباط بين العملات والذهب بلا رجعة في عام 1971، عندما قرر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون تعليق قابلية الدولار للتحويل إلى ذهب في البنوك المركزية. ومنذ ذلك الوقت كنا نعيش في نظام نقدي بحت - بمعنى أن قيمة أموالنا غير مدعومة بالذهب أو أي عنصر مادي آخر. ولا تنجح مثل هذه الأنظمة النقدية إلا بقدر ما تستطيع البنوك المركزية الالتزام بالإبقاء على التضخم تحت السيطرة.
وبالتالي، يبدو أن الساسة الألمان يعانون أوهامًا خطيرة حول أهمية الذهب والتأثيرات المرتبة على تغيير موقعه. ولكنهم محقون في قلقهم بشأن سياسات البنك المركزي الألماني: ذلك أن توفير الائتمان غير المشروط لحكومات منطقة اليورو من غير المرجح أن يجعل هذه الحكومات أكثر حرصًا وحذرًا. وهناك خطر حقيقي يتمثل في تسبب ما يسمى بالهيمنة المالية في تقويض السياسة النقدية وجعل السيطرة على التضخم أمرًا أكثر صعوبة.
إن الافتتان الألماني بالذهب ليس أكثر من قضية ثانوية لتحويل الانتباه عن قضية أساسية. أما تخوف الألمان من السياسة النقدية الضالة فهو أمر يستحق الاهتمام.

خاص بـ''الاقتصادية''
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي